تتساءل الكاتبة في هذا المقال عن ظاهرة التناوب اللغوي وأثرها على المجتمع، ومسببات حدوثها للأفراد.


سُرى المعثم


التناوب اللغوي ظاهرة تحدث عندما يغير المتحدث طريقة حديثه لمجاراة من يتحدث معه٬ فيغير لغته٬ أو لهجته٬ أو حتى أسلوب خطابه للآخرين، وكثيراً ما تحدث هذه الظاهرة دون وعي المتحدث بها، وذلك نتيجة رغبته بالانخراط في الجماعة والبيئة من حوله٬ فقد نجد متحدثاً بالعربية يتحدث بالإنجليزية تلقائياً في مكان عمله٬ أو طفلاً يتحدث باللهجة الحجازية مع والدته٬ ثم يكمل حديثه باللهجة النجدية مع والده٬ أو طالباً يغير أسلوبه عندما يخاطبه المعلم بين أصدقائه.


تختلف نظرة المجتمعات للتناوب اللغوي٬ فينظر البعض إلى التناوب بين اللغات على أنه ضعف انتماء وعدم اعتداد باللغة الأصلية٬ بينما يرى آخرون أن التناوب بين اللهجات مرونةٌ وذكاءٌ اجتماعي٬ لأن اللغة أداة تقوي الروابط بين أفراد المجتمعات٬ وتحمل في طياتها شواهد على مكان نشأتهم وتنوع خلفياتهم٬ مما يحث البعض على مجاراة حديث الآخرين لتسهيل التواصل٬ وكسر حواجز الاختلافات.

نرى اليوم تزايداً في استخدام التناوب اللغوي، خاصةً في ظل انفتاح المجتمعات على بعضها وتداخل ثقافاتها٬ وثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في بناء الجسور بينها، مما جعل من التناوب اللغوي في بعض الأحيان ضرورة، وسياسة ذكية لمخاطبة الطرف الآخر وإقناعه، كما أنه شائع في الخطابات السياسية، رغم أن استخدامه فيها لاقى انتقاداً واضحاً؛ وذلك لكونه اُستُهْلِك بكثرة كأداة استعطاف للجماهير في السياق السياسي على وجه الخصوص.

كما يسهم التناوب اللغوي في بناء مجتمعات تنعم بالتنوع الثقافي، ويوسع دلالة الألفاظ عند أفرادها، ما يخلق بدوره مجتمعًا منفتحًا على الآخر، يتشارك أفراده في زيادة أوجه التقارب بين الثقافات، عوضًا عن استنكارها، وحريٌّ بالذكر أن ظاهرة التناوب اللغوي تدرس في اللغويات الاجتماعية باعتبارها واحدة من الظواهر المؤثرة في اللغة واستخدامها.


نَصّ

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نَصّ

تدوينات ذات صلة