التدوينة عبارة عن سرد لتجربة شخصية مع الاكتئاب و العلاج الدوائي منذ ما يقرب ثلاث سنوات

الاكتئاب! ماذا يتبادر لذهنك حين تسمع هذه الكلمة؟ وجه حزين؟ مزاج عكر؟ شهية ضعيفة؟ نظافة شخصية مهملة؟ أجل قد يكون ذلك الوجه النمطي للاكتئاب. لكن مهلا! هناك وجه اخر له، و هو الوجه الأشد رعبا و فتكا! الوجه المبتسم.
حيث يبدو لك الشخص سعيدا و ناجحا، شخص منجز في حياته. لكن ! ماذا يوجد خلف ذلك القناع؟ أجل فهو مجرد قناع كنت انا نفسي ارتديه لمدة تفوق العشر سنين حتى وصلت لدرجة الانهيار و انعدام الرغبة في الحياة.
سنوات من الإنجاز المميت:

منذ طفولتي و انا اقاتل بلا هوادة في ساحة الحياة الشرسة. تفوقت في دراستي. أكملتها رغم قلة الموارد، تطوعت بالموازاة مع ذلك في جمعيات و تسلقت درجاتها حتى صرت عضوة مسيرة في مكتبها. اكملت دراستي الجامعية و خضت خلالها تجارب سياسية و بعدها توظفت. كل هذه الانجازات حققتها لوحدي و بموارد مادية شبه منعدمة. بنيت لي سمعة لا بأس بها في الوسط الجمعوي بمدينتي. كنت كالنحلة العاملة لا أكل و لا أمل و لا أتعب. شرسة و عنيدة. و فجأة! أسقط أرضا و انسحب لقوقعة مظلمة. من العزلة الكريهة و انعدام الشهية للأكل و للحياة!
مواجهة مع شبح الموت :

هنا! يخرج الاكتئاب عن السيطرة و يحشرني في الزاوية الأشد ظلمة و فتكا. أبدأ رحلتي في التعرف عليه و على موارباته.
ذهبت بعد تردد لزيارة الطبيب النفسي اذكر انني قلت له " لا أعلم ما بي، لم أعد أشبهني، لا طاقة لي لفعل اي شيء و لا رغبة لي أيضا. أخفت الأصوات تضايقني، أحس بثقل يرزح على صدري و لا استطيع التنفس جيدا. حتى انني أحس بشيء محشور في حلقي و غضب عااارم يكاد يمزقني" رد على الدكتور هذا يا ابنتي اكتئاب، فهو باختصار انعدام القدرة و انعدام الرغبة.
لكن كيف ذلك و انا الفتاة القوية و المنجزة. أجل هذا هو و بعدها بدأت رحلتي مع العلاج الدوائي لأن ميولي الانتحارية كانت أقوى من جلسات علاج سلوكي.
حينها فقط أدركت فيما يفكر الشخص المنتحر، هو يا أصدقائي لا يفكر في إنهاء حياته ، ابدا! هو يفكر فقط في إنهاء معاناته التي تلوح له ان لا نهاية لها.
تستيقظ صباحا او مساء فالوقت سيان عند المكتئب، تحس ان أصغر خلية في جسمك تؤلمك و لا طاقة. لك حتى لان تفتح عينيك. تلك الحركة العفوية التي يقوم بها الشخص العادي كم تحتاج من جهد و عزيمة ليقوم بها شخص مثلي. تم تظل ممددا و كل جزء فيك يؤلم. و لا طاقة لك للحراك و لا حتى رغبة في مواجهة العالم او الحديث مع احد. حتى مضغ الطعام يبدو لك و كأنك مطالب بتحطيم جبل جليد. الألم يعتصر قلبك و الدمع يأبى ان ينزل ليخفف عنك القليل. تصبح شخصا هلاميا بعدها لا تحس بما يدور حولك في العالم، تظل سجين آلامك و هواجسك. تصبح حبيسا داخل جسمك المتعب. لا تفكر في شيء غير إنهاء هذه المعاناة التي لا تنتهي. و يبدو لك وضع الحد لحياتك هو الخلاص! هكذا باختصار قد تنتهي حياة اي شخص من احبتكم بدون أن تحسوا بمعاناته الداخلية.
نقطة ضوء وسط ظلمة:

في هذه الفترة فقدت الرغبة في جميع هواياتي. فقد صار الكتاب الذي كان رفيقي يخنقني.مرت سنة و نصف على هذه الحال، و بعدها تعرفت على عالم البودكاست و احسسته خفيفا علي لا يطالبني بأي مجهود فقط اظل في فراشي و استمع. في البداية كان الأمر صعبا نظرا لتشتت تركيزي، فلم اظغط على نفسي تركتها تلتقط ما تستطيعه. حينها وجدت مادة معرفية لا بأس بها و رفيقا خفيف الظل في بودكاست " سندويش ورقي" " ابجورة"، و الذي فتح عيني على معاناتي و معاناة الآخرين هو بودكاست " وجدان" هنا تعرفت على أشكال الاكتئاب التي لا علم لنا بها غير الصورة النمطية التي تترسب في اذهاننا. هنا وقفت مع نفسي و بدأت اراجع كل سنين حياتي التي مرت، و كان الاكتشاف! أنا لست حديثة العهد بهذا القاتل الصامت ابدا! لقد كان ينهشني من الداخل لسنوات طوال تحت وهم الإنجاز و الفرح المزور.
و ما زالت الرحلة مستمرة:
قاربت على إكمال ثلاث سنوات منذ بدأت العلاج الدوائي من جهة و سنة على محاولتي علاج نفسي عن طريق القراءة و الاطلاع و تغيير سلوكاتي و أفكاري. لن أقول ان هذه الفترة كانت ناجحة بل كانت هناك انتكاسات مرعبة لدرجة ان الهاجس من عودتها المفاجئة يقض مضجعي. لكن مع ذلك صرت اكثر وعيا و معرفة عن هذا الشبح الذي يسكننا و لا نعي بوجوده إلا نادرا. لكم في انتحار بعض المشاهير عبرة و دليل على أن الاكتئاب الأشد رعبا و مكرا هو ذاك الذي لا يظهر وجهه القاتم. لذلك نصيحتي لكم راقبوا افكاركم و انفعالاتكم جيدا. و راقبوا احبتكم كذلك فوصفك لشخص بأن حساسيه مفرطة ربما هو دليل على وجود خطب ما. فسرعة الغضب او الحزن هي رسائل يبعث بها عقلك ليحذرك من ذاك الشر الذي يستوطنك و ينمو داخل كيانك او كيان احبتك.
كانت هذه مجرد فضفضة وليدة جلسة منفردة مع كأس قهوة كنت في حاجة لقولها
التعليقات