( غزو اليهود في عهد شيشنق ملك مصر ، والاستيلاء على ممتلكاتهم )

مُلّخص عن إعتلاء شيشنق العرش: دام حُكم الأسرة المصريّة الواحدة والعشرين لمدة مائة وثلاثين عاماً تقريباً ، عصفت خلالها الأحداث من الداخل والخارج ، وعمّ الفساد بالدولة ، وأنهكت الضرائب الشعب ، والتي أدّت إلى تمزق وتفريق مصر إلى مقاطعات وطوائف مستقلّة ، وظهر في هذه الفترة (شيشنق) الذي هو من أصول ليبيّة ، وذلك بعدما زاد نفوذ أسرته دينيّاً وعسكريّاً ، وبدأ يعد (شيشنق) خطة صامتة ، ولم يلجأ إلى خلع الملك (بسوسنس الثاني) أخر ملوك هذه الأسرة ، ولكنه انتظر حتى يموت ، وفي هذه الفترة قام (شيشنق) بتوطيد مركزه العسكريّ والديني في الدولة ، وأدرك أنه ليحكم هذه البلاد ، يجب عليه أن يكسب ود الشعب المصري ، وذلك بالحفاظ على مُعتقداتهم ، وتخفيف عنهم معاناة الضرائب ، ومما ساعد على ذلك ، هو أن والد (شيشنق) ورث عن أجداده رئاسة الكهنة في (طيبة) ، بالإضافة إلى إستمالة الجيش الذي كان غالبيته من المرتزقة الليبيّين ، وهذه الأمور جعلته ينفرد بحكم مصر عام [950 ق.م] بعد وفاة (بسوسنس الثاني) بدون أي مقاومة من الطامعين في الحُكم.


غزو شيشنق لـ اليهود: في الرواية التوراتيّة تذكر (شيشنق) بـ أنه كان حاكماً قوياً رفع من شأن مصر ، وكان يريد بسط نفوذ مصر على غرب آسيا ، فـ سيطر على لبنان وفلسطين ، وكان (يربعام) من قبيلة (إفرايم) يرى بـ أنه أحق بالمملكة من الملك (سليمان بن داوود) ، فثار على (سليمان) ، وامر (سليمان) بقتله ، فـ فرّ (يربعام) إلى مصر في حماية الملك (شيشنق) ، وبعد موت (سليمان) ، عاد (يربعام) إلى بلاده ، واستطاع أن يتولى قيادة عشرة قبائل عبرانيّة من أصل اثنتيّ عشر ، واستقل بها ، وسمّاها المملكة الشمالية (إسرائيل) ، بينما (رحبعام بن سليمان) استقل بقيادة قبيلتين من اسباط بني إسرائيل ، وسمّاها المملكة الجنوبيّة (يهودا).


وفي عام [926 ق.م] ، وذلك بعد موت (سليمان) بخمسة سنوات ، قام (شيشنق) بمهاجمة (رحبعام بن سليمان) ونهب كنوز الهيكل ، وقد دمر القدس ، وسبا أهلها ، وأخذ كنوز بيت الرب (يهودا) ، وبيت الملك ، وآلاف الأتراس الذهبيّة المصنوعة في عهد الملك (سليمان) ، كما قام بحملات خاطفة دمر فيها عشرات المدن اليهوديّة والمستعمرات التى في سهل يزرل وشرقيّ وادى الأردن ، كما يبدو أنه هاجم المملكة الشمالية أيضاً ، وتدل النقوش التي على معبد الكرنك أن (شيشنق) هاجم كل فلسطين ، فـ أخضع فيها أكثر من 150 مدينة ، وقد دونت أخبار هذه الحملة على جدران معبد الكرنك ، لكن مازال العلماء لا يستطيعون الجزم بجميع التفاصيل المستمدة من التوراة ، وذلك نظراً لـ التغييرات الكثيرة التي طرأت عليها.


وقد ذُكِر في (كتاب الملوك الأول) الإصحاح 14 سطر 25: "وفي السنة الخامسة لـ الملك (رحبعام) صعد (شيشق) ملك مصر إلى (أورشليم) عاصمة مملكة يهودا ، وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك ، وأُخذ كل شيء ، وأخذ جميع تروس الذهب التي عملها (سليمان) ، وفي (كتاب أخبار الأيام الثاني) الإصحاح 12 سطر 2-4: "وفي السنة الخامسة لـ الملك (رحبعام) صعد (شيشق) ملك مصر على أورشليم ، لأنّهم خانوا الرب ، بـ ألف ومائتيّ مركبة ، وستين ألف فارس ، ولم يكن عدد لـ الشعب الذين جاءوا معه من مصر لوبيين وسيكيين وكوشيين ، وأخذ المدن المُحصنّة التي لـ (يهودا) ، وأتى إلى (أورشليم).


وقد فحص علماء الكتاب المقدس فحصاً مستفيضاً طبيعة الحملة الحربيّة التي قام بها (شيشنق) على (فلسطين) ، وبخاصة إذا كانت هذه الحملة تنحصر في جنوبيّ مملكة يهودا فقط ، أو كانت تشمل إسرائيل أيضاً ، والواقع أنه لم يُذكر في التوراة من البلاد التي جاء ذكرها فيه خاصةً بحملة (شيشنق) إلا بلدة (أورشليم) ، وهي التي استولى عليها هذا (شيشنق) ، وقد أضاف إلى ذلك بصفة عامة (كتاب الأيام) المدن المحصنة التابعة لـ يهودا ، وعلى أية حال ، فإنه من وجهة نظر تاريخ التوراة ، يمكن البرهنة بصفة عامة على أن التوراة لم تحفظ لنا إلا قصة غير كاملة عن هذه الحملة التي كان قد امتد مداها في إقليم كبير في المملكة الجنوبية.


أما من الناحية الأثريّة ، فـ هُناك قائمة (الكرنك) ، فـ مما لا شك فيه أنها تشمل جزءاً كبيراً من الأسماء الخاصة بشمال فلسطين ، ويمكننا القول (دون أن نفرض أن هذه القائمة في كلياتها يُعتمد عليها تاريخيّاً): إن احتواءها على أماكن في الشمال والجنوب يمكن أن نعرف منه جيّداً مدى إتساع رقعة الغزو المصريّة ، والواقع أنه قد عثر في (تل المتسلم حالياً – مجدو سابقاً) الواقع في شمال فلسطين على نقش مصري عليه اسم (شيشنق) ، وهذه الحقيقة تتفق مع الرأي القائل بأن حملة (شيشنق) كانت جُغرافيّاً أوسع مما كان يُظَن ، وإن كان هذا المصدر لا يعد برهاناً قاطعاً ..


تنوية: في الصورة بالأعلي ، يظهر فبها الآله آمون يقدم أكثر من مائة وخمسون أسيراً مُقيّداً لـ (شيشنق) ، ويُمثّل كل أسير مدينة أو شعباً مهزوماً ، وقد حُفر على أجسام الأسرى أسماء مدنهم ، ولا يزال عدد من هذه الأسماء غير مقروءاً ، وبعضها معروف لدى قُرّاء الكتاب المُقدّس (التوراة) مثل (بيت شأن ، جبعون ، شونم ، مجدّو).

Nasser Saad

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Nasser Saad

تدوينات ذات صلة