إن الإعلام يعني إمداد الجماهير بمصادر العلم والفكر والمعرفة، ونقل الأخبار والأحداث كما هى على أرض الواقع دون تزيف أو تحريف للحقائق..





قبل منامي مر ببالى ماحدث ذلك اليوم ، كان يوم شاق وممتع فى الوقت ذاته ، كُنت متعبة بعض الشئ فظننت لوهلة أنه سينتهى بمجرد خروجى من باب الجامعة ، لكنة فى الواقع كان يُطلق صافرة البداية .


ذهبت فى رحلة العودة إلى المنزل متخذة سيارة ميكروباص وسيلة ليّ، وتمنيت بعض الهدوء بعيداً عن الموسيقى المعهودة لسائقوا هذة النوعية من السيارات، كان يجلس خلفى ثلاثة شباب ظهروا وكأنهم أصدقاء من الدرجة الأولى.


إنقطعت نصف المسافة فى تأملى للطريق بنَظِرات حائرة لا تهتم بتفاصيله، وفى لحظة أو كأنها أقل ، تسللت إلي أُذنى بعض الكلمات من الخلف جعلتنى أنتبة..فالبداية توجد دائماً فى طيّات النهاية.


الوضع شائك جداً فى الخلف والحرب دائرة فى السيارة بأكملها وأنا لم أشعر ، إنقسمت السيارة إلى فريقين مؤيد ومعارض، حتى الأصدقاء الثلاثة دخلوا ضمن الإنقسام وكأن ما بينهم رحل وأحال عليه الثرى، إنتبهت أكثر فأكثر للعثور على سبب واحد لهذة المشاجرة وبعد ثوانٍ علمت أنه خلاف على مبارة كرة قدم - بإعتبارها اللعبة الشعبية الأولى فى البلاد - فكلاً منهم يحاول إثبات أن الفريق الذى يشجعة هو الأفضل على الإطلاق.


شعرت بغصة فى حلقى، ورجفه فى فؤادى، وعينى تدمع شاردة بين هذا وذاك، وعقلى يتسأل.. ما بال هؤلاء الاشخاص لا يشعرون بما حدث لهم ! ولا حتى ينصتون إلي ما تتفوه به ألسنتهم ! كأنهم أجساد تركتها الأرواح منذ زمن ، أم على عقولهم أقفالها ؟ ...نعم مثلهم كمثل الإنسان المنوَّم مغناطيسياً.


فيقول غوستاف لوبون فى كتابة الشهير سيكولوجية الجماهير " إن حياة الدماغ تصبح مشلولة لدى الإنسان المنوَّم مغناطيسياً، فإنه يصبح عبداً لكل فعالياتة اللاواعية، ويصبح منومه قادراً علي توجيهة الوجهة التي يشاء ، وهكذا تصبح الشخصية الواعية مغماً عليها وتصبح إرادة التمييز والفهم ملغاه وعندئذ تصبح عواطف المنوَّم وأفكاره موجهة فى الإتجاه الذي يحدده المنوِم ".


إذا أمعنا النظر فيما حدث وصولاً للفاعل الحقيقى وراء هذا الإنقسام سنجد أنه " الإعلام " فهو يمتلك القوة السحرية للتحكم بعقول الجماهير والتلاعب بها كما يتلاعب الإعصار بأوراق الشجر فيحركها يميناً ويساراً كيفما شاء، فضلاً عن قدرته علي تحويل الإنسان العاقل إلي إنسان آلي ما عادت إرادته قادرة على أن تقوده.


فعندما يتكون لدي الجماهير مخزون سمعى وبصرى عن قضية ما - بواسطة الاعلام - ويذهب لتكوين العقائد والأفكار والآراء تجاة هذة القضية دون تحكيم للعقل اولاً فيما يسمعه ويراه، فتصبح النتيجة عبارة عن فوضى مليئة بالعبث كما حدث فى السيارة.


إن الإعلام يعني إمداد الجماهير بمصادر العلم والفكر والمعرفة، ونقل الأخبار والأحداث كما هى على أرض الواقع دون تزيف أو تحريف للحقائق، مع ترك مساحة لعقول الجماهير فى إطلاق الأحكام والآراء لنحصل فى نهاية الأمر على نتائج مختلفة من زوايا متعددة تساعد في تقدم ورقى المجتمع.. هذا ما نتعلمه من الكُتب وأساتذة الجامعة، لكن الواقع يؤلم بالضرورة.


و الإعلام وفي مصر تحديداً لدية دوافع سياسية وأيديولوجية مُغلفة بقناعات مشكوك فيها ساعدت على طهى الإنقسام فى الشارع المصرى على نار هادئة فجعل الشعب الواحد ينقسم بسهولة ليس فى الرياضة فقط ولكن فى نواحى الحياة المختلفة ، لتصبح مصر بين عشية وضحاها "أم الدنيا.. و قد الدنيا ".


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

حبييتت :"(

إقرأ المزيد من تدوينات ندى عبد الكريم البنَا

تدوينات ذات صلة