نتحدث عن العقلانية كفكرة مجردة ناقشها أحد أكبر الفلاسفة عبر التاريخ

لماذا تتشابه الأحصنة؟؟

دعونا نفكر في الأمر، الحصان ذلك الحيوان الثدي ذو الأربع قوائم ويمتلك شعرا، ولكن ماذا عن الكلب أو الخروف أو الحيوانات الأخرى، ما الذي يجعلنا نجزم أن الحصان حصانا، وأن الكلب كلبا؟!

ماذا لو كان هناك فكرة مجردة لشكل الحصان، تلك الفكرة التي نمتلكها جميعا وتجعلنا نتذكر الحصان ونميزه عن غيره؟

لنأخذ مثالا آخر... قطع الكعك، باستطاعة الخباز أن يخبز عشرات من قطع الكعك التي تمتلك نفس الملامح والصفات، فما الذي يجعله قادرا على ذلك؟ بالتأكيد هو امتلاكه القالب الأساسي الذي يصنع به تلك القطع، ومع ذلك فإن هذه القطع لا تتشابه مطلقا مثلما لا تتشابه الأحصنة فيما بينها ولا الكلاب ولا البشر...

بهذه التساؤلات قد وضع أفلاطون مبدأ العقلانية، والذي يرتبط بوجود الأفكار الأولية الأبدية التي لا تتغير، فكل ما حولنا مجرد صور زائلة مكررة لفكرة واحدة مجردة أبدية..

فنحن نستطيع أن ندرك الأحصنة ونتخيلها في أي وقت، وذلك لامتلاكنا فكرة الحصان، كما بإمكان الخباز أن يخبز نفس قطع الحلوى في أي وقت وذلك لامتلاكه القالب الأساسي ...

وانطلاقا من مبدأ العقلانية هذا، فإن أفلاطون لم يكن يختلف كثيرا عن معلمه سقراط ، أو عن السفسطائيين باعتبارهم قد قالوا بأن كل ما في الطبيعة قد تكّون من أجزاء صغيرة أبدية، وهي الأساس لكل المحسوسات في واقعنا، ولكنهم قد فشلوا في تفسير سبب أن هذه الجزيئات تتجمع مرارا وتكرارا لتكون نفس الشيء دون أن يكون هناك تشوه في صفاته أو أدراكنا له، فكانت فكرة أفلاطون عن الأفكار الأبدية هي الملاذ والحل لهم..

وقد طور أفلاطون تلك الفكرة لتضم عدد كبير من جوانب الحياة فلقد ربطها بالطبيعة وما نلاحظه فيها، والأخلاق وسماتها، والحياة الاجتماعية والسياسة، ولقد أنبثق من تلك الأفكار العمل الأعظم لأفلاطون والتي هي حصيلة فلسفته وتجاربه في الحياة ألا وهي " المدينة الفاضلة يوتوبيا" تلك المدينة المبنية على مبدأ خلق الجسم الإنساني من عقل، وجسد، وبطن وما يميز كلا منها بصفاته الخاصة، والتي تمتلك الأفكار الأساسية لبناء مجتمع متماثل وكامل، فهل حقا تستطيع أفكار تلك المدينة أن توجد مجتمع كامل، أو حتى قريبا من الكمال؟!! وهذا سيكون حديثنا في مقال آخر ....


لحظة نور

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف وعي

تدوينات ذات صلة