شهر رمضان له رونق خاص وطابع يميزه عن باقي شهور السنة يرسم البسمة على جميع الوجوه من أصغر الأطفال لأكبر الشيوخ.

الزحام.. من أكثر الأشياء التي أمقتها وأهرب منها.. عندما أسير بين جمع من المارة كل منهم غارق في همه حتى صارت أشكالهم طبقا كما الأموات الأحياء.. أطنان من الهموم والأحزان تعلو عيونهم.. يسيرون هائمين على وجوههم.. أتجاهاتهم متعاكسة ومتناقضة ومتضادة.. لا أحد منهم يأبه لحال الأخر..


عندما أمر بينهم أرى نفسي نسمة مرت بين أوراق الشجر وفروعه.. قد تحركهم وتبعثرهم وتحدث جلبة في الوسط إن كانت قوية.. ثم تتحول إلى سراب لم يبقى له أثر.. وكأنها لم تعبر بهم من الأساس..


في بعض الأحيان أذيب همي بين هموم المارة.. عندما أسمع جملة أو أرى إماءة أو حركة أعرف بها أن ما بي يكاد ألا يرى من ضئالة حجمه وتفاهته..


كل غارق في أفكاره ينظر أمامه وهو يرى مستقبله وما سيحياه لا يرى الطريق الذي يسير به.. تمر الأيام متثاقلة متشابهة وسخيفة.. وما يهون من ثقلها سوى ذكرى تركت ذات مرة في الطريق.. كشخص رافقته في هذا الدرب.. أو أغنية وجدت أن كلماتها مناسبة للموقف.. أو أجمل ما قد تجده هو ذكرى طفولة ترجع لمكان مررت به..


الذكريات هي ما تجعلنا نحيا.. هي التي تساند قلوبنا عندما يعتصرها الألم وتُملأ حزنا وكمدا.. كشهر رمضان.. من منا لا يملك ذكرى جميلة يحب أن يذكرها ويسعد بقدوم رمضان أو إقتراب أيامه وتملأ نفسه حماسة كالأطفال عندما تخطر بباله تلك الذكرى..


رمضان.. ما هو أول شيء خطر ببالك عندما ذكرت لك اسمه؟


عندما طرحت هذا السؤال على من حولي لاقيت الكثير من الردود المبهرة والباعثة الفرحة والسعادة في حديثهم.. فهناك من قال أن رمضان يمثل بالنسبة له فرصته لحب الذات من جديد وفرصة لإيجادها وإعادتها للطريق الذي يجب أن تسير فيه.. فرصة للتقرب من الله والتخلص من كل ما يثقل النفس من الذنوب..


في رمضان يزيد الود، تتحاب القلوب.. تمتلأ المنازل بالأقارب والأهل والأصدقاء فتكون فرصة لصلة الرحم.. كانت هذه الإجابة من ألطف ما قيل..


ولكن الألطف على الإطلاق من الإجابات التي لاقيتها كانت إجابة طفل بأنه يسعد بالصيام أنه يجب أجواء الصوم وتحضير والإفطار وإنتظار صوت الآذان..


للطعام في رمضان طعم مختلف.. جميل وأصلي.. طبقا كالحلوى التي ترتبط بهذا الشهر الكريم.. كلقيمات الحلوى أو قطائف المكسرات أو التمر.. كمشروبات واطعمة رمضان خاصة به.. أصلية لا يمكن تقليدها في أي وقت آخر من السنة، أنواره وراوئحه وفرحته التي تعلو الوجوه لترسم سحر البسمة الراضية الفرحة.. السهر حتى أذان الفجر وأصوات قراءة القرآن في كل مكان.. تسامح وصفاء قلوب..هدوء وسلام.. ضحكات الأطفال المملوءة بالبراءة أثناء لهوهم ولعلهم بهدايا رمضان من الفوانيس والحلوى والمكسرات.. صلاة التراويح وقربها من القلب فتركض لأدائها عقب إفطارك..


الجميل في رمضان هو المشاركة.. تعيش أنت وأنا وجميع من حولنا نفس الظروف ونعطي تقريبا نفس الاستجابة.. كل المنازل في أول إفطار في رمضان تصنع نفس أنواع الطعام تقريبا.. نعايش جميعنا شهر نصبح في عائلة واحدة.. عائلة من مليار شخص تقريبا


في رمضان تكتسي الشوارع بحلة لا يوجد ما يضاهي بهائها.. وعظمتها وقربها من القلب.. عندما أسير في الشوارع في أيام رمضان يمتلئ قلبي فرحة.. الوجوه مبتسمة العيون راضية.. السلامات تلقى من اليمين واليسار ومن كل حدب وصوب.. تتكرر جملة رمضان كريم فتعطي هذا الإنطباع الجميل الوقع صعب الوصف..


تتحرر كل الأشياء من جانبها القبيح ولا يبقى سوى الجمال.. جمال يغمر كل ما حوله يزداد كل عام عن سابقه..


كل عام في شهر رمضان تملأ جعبتك من الذكريات الجميلة التي تساندك وتمنحك القوة لمواجهة باقي شهور السنة..


رغم أن نهاية رمضان هو عيد يأتي بفرحة أكبر من فرحة رمضان إلا أن بعد إنتهاء عيد الفطر تشتاق لرمضان وأجوائه ودفئ أيامه وتتمنى أن تصبح كل شهور السنة رمضان.. وعندها نقول كما نردد هذه الأيام وكل أيام ..

"اللهم بلغنا رمضان"




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات داليا أحمد

تدوينات ذات صلة