"أحلام اليقظة هي الخلايا الجذعية التي تجدد الواقع وتضع علي آلامه طبقه جديدة ومتجددة من الأمل"
أحلام النُعاس نعمة كبري تجعل الإنسان يعيش حياة أخري بكل مافيها من حلو ومر ثم يفيق ليجد الأحداث التي عاشها بكل تفاصيلها حتي النخاع مجرد فيلم سينمائي بعقله النائم. فإذا كانت أحداث الحلم حلوة يسعد الإنسان ويتمني ويعمل علي حدوثها في الواقع حتي ولو كانت صعبة المنال. أما إذا كانت الأحداث مالحة ولاذعة فيبتسم الإنسان ويحمد الله أن الأحداث لم تخرج عن كونها مجرد حلم عابر.
ولذلك فأحداث النوم والنعاس هي الطاقة التي تخرك تعقله وهي بروفة حقيقية للإنسان علي تقبل أحداث الحياة بحلوها ومرها والصبر عليها دون أن يعيشها.
أما أحلام اليقظة فهي كلها حلوة بما فيها من شوق وانتظار وأمنيات كبار يتمني الإنسان تحقيقها كلها أو جزءا منها. وبقدر ماهي حلوة المنال إلا أنها مُعذبة إذا كانت صعبة المنال. ومع أحلام اليقظة يبقي الإنسان حالما متمنيا وداعيا وناظرا للقدر أن يمنحه ولو بعض من أحلامه حتي ولو طال الأمد.
ولذلك فأحلام اليقظة هي سر بقاء الإنسان مهما تكالبت عليه المحن وأشواك الألم لأن النفس تجدد الحلم بل وقد تغيره إلي حلم آخر لو إحتضر الحلم الأول لتبقي حالمة بشيء ما قد يتحقق في المستقبل القريب أو البعيد فيسعد وينتشي.
ومن أجل تحقيق الحلم يفعل الإنسان كل ما في وسعه للتغيير إلي الأفضل وإلي تسخير كل إمكاناته وعلمه ومشاعره ليكون الأقدر والأنسب والأروع ليس فقط في تحقيق الحلم ولكن أيضا ليكون في أبهي صوره ولائقا بحلمه عندما يتحقق ويصير واقعا.
ولذلك فأشد لحظات الحياة ألما تتجسد عندما يتمني الإنسان تحقيق حلما يظنه مشروعا، ثم يقرر القدر وفجأة عدم مشروعية الحلم، ليصبح كابوسا يمشي علي أرض الواقع فتعيش النفس علي حزن بحلمها ، الذي كان يوما ما هو سبب الإشتياق إلي حلو الحياة.
فهل تأثر النفس السلامة وتكتفي بما منّ عليها القدر بأحلام النوم والنعاس، فيكفي أنها أحلام مجانية لا تكلف النفس شيئا سوي قسط من النوم ، أم تظل النفس حريصة علي أحلام اليقظة التي غالبا لا تحدث وتتكسر أحداثها أمام مرأي العين فتترك الإنسان معذبا في الأرض.
الاجابة علي هذه السؤال من وجهة نظري والتي استمدها من تجارب الحياة العديدة هي التمسك بأحلام الواقع مهما كان الطريق طويلا ومهما كانت التحديات عظيمة. فالتمسك بالحلم حق شرعي للنفس لكي تشعر بقيمة الحياة ولكي تشعر بالأمل المتجدد يسري في عروقها فتعيش في تشوق دائم لمستقبل أفضل حتي لا تضيق بها الحياة إن ضاقت. فأحلام اليقظة هي الخلايا الجذعية التي تجدد الواقع وتضع علي آلامه طبقه جديدة ومتجددة من الأمل.
فما علينا إلا التمسك بأحلامنا المشروعة حتي ولو وقعت تحت أقدام زحام المارة أو تحت عجلات عربات الحياة المسرعة أو تحت ضربات معاول الحاقدين. فالأحلام قد خلقها الله قوية ومضادة لرصاص الأزمات. المهم أن يكون لدينا أحلام.
حقاً ، كما أن الأحلام نعمة ، فهي أيضا نقمة ولكل منا فيها نصيب. ولكننا ورغم كل ذلك لا نتنازل عن أحلامنا حتي ولو بقيت طوال العمر مجرد أمنيات. فالأمنيات الحلوة هي سر الحياة.
تحياتي
د. محمد لبيب سالم
أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا
عضو اتحاد كتاب مصر
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات