' لست أدري هل أصبح القلق سمة من سمات شخصيتي، أم هو مجرد احساس عابر "


القلق والخوف والتوتر والفكر والحب والبغض كوكتيل من المشاعر الإنسانية التي لا تستطيع النفس أن تتجاهلها، أو تضغط علي زِرٍ لتقلل منها أو توقفها. فمن الطبيعي أن تتعرض النفس لكل تلك الأحاسيس المتباينة، التي قد تشعر بها في اليوم الواحد بل في الساعة الواحدة. ولكن النفس تتآكل إذا تحولت هذه المشاعر من المرحلة الحادة إلي المزمنة، تماما مثل الالتهاب عندما يتحول إلي التهاب مزمن إذا لم يُعالج بطريقة أو أخري. فمن الطبيعي أن نتعرض للأنواع المختلفة من الالتهابات بدرجاتها التي قد تصل إلي الحروق. ولكن الغير طبيعي هو استمرار تلك الالتهابات فتمرض النفس ومعها الجسد وتتآكل.

ولا أدري لماذا أصبح القلب رقيقا برقة الغشاء الذي يحيط به. فبرغم تعمد الانشغال في أمور العمل المختلفة وقضاء الوقت بين مهام العمل الكثيرة وهواية التأليف الأدبي التي أصبحت تأخذ ربع وقتي تقريباً، ورغم أني أشعر أني أحتاج يوما فوق كل يوم لإنجاز ما أريد انجازه، إلا أني أشعر هذه الأيام بغصة في القلب، وتوتر داخلي، وقلق من الحياة، وتفكير لا ينتهي في أمور نفسي والآخرون شئت أم أبيت.

لست أدري هل أصبح ذلك سمة من سمات شخصيتي، أم هو مجرد احساس عابر بسبب ما أسمع وأقرأ كل يوم من أخبار المرض والرحيل المفاجئ لأحباب صغار وكبار. ولست أدري هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي سببا في توسيع مساحة الأخبار بحلوها ومرها، فأصبحت أشعر بمرها أكثر من حلوها وحتى اصبحت أشعر وكأن العالم كله في غرفة معيشتي اتأثر به أكثر مما أؤثر فيه، فأوقع قلبي رهن الأخبار التي يسمعها ليل نهار.

أن يرق القلب لهو شيء جميل، ولكن أن يرق بفعل فاعل لهو شيء خطير. وأن يشعر الإنسان بالحزن بسبب هو فيه لهو شيء مقدور عليه مع الوقت، ولكن أن يشعر بالحزن بسبب الآخرين لهو احساس صعب التخلص منه لكثرة الآخرين.

هل أصبح علي الإنسان الاعتزال عن الناس من فترة لأخري ليس هروبا منهم ولا خوف منهم ولكن لتقليل جرعة الأخبار التي ترقق قلبه. أم أصبح علي الانسان ألا يلقي بالا لما يسمع ويقرأ، وأن يسمح للجمود أن يتسلل إلي لقلبه حتي لا يتأثر بما يجري.

أعتقد أنها معادلة صعبة جداً، وتعتمد علي الناس المحيطين بنا والأحداث. بل وأصبحت أشعر بأن اعتقادنا أن العمل يلهي عن احداث الحياة فكرة عكسية تماما. فكلما ازدادت مشاركتنا في احداث الحياة زاد احساسنا بطبيعة هذه الأحداث وأبطالها وما يترتب عليه من مشاعر.

ولأن الانسان خلق في كبد، ولأن الحياة لن تخلو من أحداث، ولأن القلوب خلقت رهيفة في احساسها رغم قوة عضلاتها، فالحل الأكبر لراحة النفس من عناء الأخبار والأحداث هو القرب من الله ومناجاته علي سجادة الصلاة. تلك المساحة الصغيرة التي لا تزيد عن متر مربع ولكنها بوسع السماء والأرض. المساحة المقدسة أيا كان الزمان والمكان. المساحة التي تجعل القلوب تتحرر من منغصات الحياة واسبابها وتجعلها طليقة في ملكوت الله ومعية الله الواحد الأحد الذي خلقنا ويعلم ما يسعدنا وما يؤلمنا. المساحة التي تدخل فيها مثقلا بالهموم والقلق وتخرج منها مجبور الخاطر هادئ الباب بعد أن تلقي حمولتك علي الله.

الحياة بحلوها ومرها اصبحت جمرة من النار، وأصبحنا جميعا قابضين علي تلك النار. ولكن الله الله قادر علي أن يجعل تلك الجمرات بردا وسلاما عندما نتحدث اليه ونتقرب، ولنا في سيدنا ابراهيم المثل.

فلا تجزع من القلق والهم والتوتر والفكر اذا كانت أحاسيس عابرة. فكما يلتهب الجسد ويمرض، تلتهب النفس وتئن، ولكن عندما يطول أنين النفس يتبعه مرض الجسد.

فاللهم انزع من قلوبنا كل غل و القلق والهموم والأحزان واملأها بالفرحة والرضا والطمأنينة وحب الناس.

اللهم املأ طرقات ايامنا بالخير والطمأنينة والسعادة والرضا وراحة البال. انت خلقتنا وانت العالم بحالنا. وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. وصلي وسلم علي جميع الرسل والنبيين.

خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة