'وما جمال الحياة فينا سوي أُناس جميلة تعيشها معنا''"


هناك أُناسٌ في الحياة بيننا وحولنا وبعيداً عنا يمثلون لنا حَبلا ولو رفيعا، وجِدارا ولو ضعيفا، وضياء شمعةٍ ولو خافتاً، وملعقة سكر ٍ ولو صغيرة.


هؤلاء الناس نتكىء عليهم كلما تعثرت أقدامنا في طرق الحياة الوعرة، ونهتدي بنورهم كلما أظلمت علينا دروب الحياة فجأة أو علي غفلة، وتحلو الحياة بهم كلما أصبحت أيام الحياة مِلح أجاج.


هؤلاء الناس هم الأسباب التي تحلو بهم الحياة، حتي وإن كانوا ليسوا منا وليسوا حولنا. هم في سماء حياتنا مثل الشموس والأقمار والكواكب، نراهم ونشعر بهم ونستضيء بنورهم ونستشعر دفئهم حتي وهم بعيدون عنا. إذا أظلمت سماء حياتنا كانو هناك نورا لنا. وإذا اشتد حر النهار كانوا هناك ظلاً لنا، وإذا علت وهاجت أمواج الحياة كانوا هناك مرفأ وشاطيء لنا، وعندما يصيبنا مطر الحياة ورعدها وبرقها، يكونوا هناك بيوتا لنا. هؤلاء الناس لهم منا كل الحب، وإن لم نستطع أن نعبر عنه، ولهم منا كل التقدير، وإن لم نستطع أن ننقله وجها لوجه إليهم. قد يكون أحدهم هناك بعيدا عنا، ولكننا علي يقين أنه بداخلنا ويتمني لنا حُلو الحياة.


هؤلاء الناس مثل الأشجار الباسقة، والزهور اليانعة، والورود العاطرة. ولكل منا طائفة من هؤلاء الناس فلنحرص عليهم في حياتنا وإن أبعدتهم الحياة عنا .وقد رزقني الله في حياتي بالكثير من هؤلاء الناس الجميلة، منهم من أراهم من حين إلي حين، ومنهم من أسمع صوته فقط من وقت إلي حين، ومنهم من لا أسمع صوته ولا أقابله، ولكن يظل هؤلاء الناس جواهرى فى الدنيا وسندي في الحياة، حتي ولو كانوا قد رحلوا عن دنياي. ورغم صعوبة الحياة وشراستها، ورغم وعورة الطريق الذي نسير فيه، ورغم كِبَر أهدافنا وعِظم أحلامنا وضيق وقتنا وقلة مواردنا، ورغم أننا لسنا الأفضل ولا الأحسن، ورغم قلة هؤلاء الناس بل وندرتهم في حياتنا؛ إلا أن وجودهم في حياتنا بصورة أو بأخري هو البلسم الذي نتكىء عليه و نستمد منه القوة لكي نكمل مشوار الحياة حتي يأذن الله بالرحيل.


هؤلاء الناس هم الذين يجعلوننا ننسي أو نتناسي ونتغاضى ونغفر لمن ظلمونا وضربوا علي قلوبنا أو عقولنا أو أيدينا بقوة وعنف، وهم يدركون أننا لسنا من أهل الإنتقام، رغم أننا نملك أدواته. هؤلاء الناس هم الذين يجعلوننا نبتسم رغم الألم الذي يختبىء وراء الشفاة ويسكن أعماق العيون. هؤلاء الناس هم البوصلة التي توجهنا ناحية الشاطيء كلما تهنا في بحار الحياة أو ضربتنا أمواجها. ببساطة، هؤلاء الناس هم الذين يجعلوننا نتصرف بإنسانية ما استطعنا لنكون علي الأقل مثلهم وعلي قدر حبهم وحرصهم.


إلي هؤلاء الناس، أكتب تلك الكلمات لأعبر لهم وأقر وأعترف بمدي حبي لهم في الله وتقديري لهم واعتزازي بهم ودعائي لهم وحرصي عليهم طالما بقي لي نفس في الحياة. ومن أكتب عنهم ولهم هذه الكلمات سوف يعرفون أنفسهم ويبتسمون، لأن أفضالهم علينا وجميل صنيعهم لنا واضح وجليٌ. أما من دون ذلك في حياتنا، فلن يشعروا بكلماتي تلك لأنهم يعلمون ما قدموا وما منعوا. ولهؤلاء كل الدعوات والامنيات الطيبة رغم وجودهم خارج نطاق الكلمات.


وأما من رحلوا عنا وكانوا ومازالو من هؤلاء الناس الذين أحبونا وحرصوا علينا ولو يوما واحدا، وغفروا لنا ولو موقفا واحدا، وقدروا مشاعرنا ولو مرة واحدة، ومدوا لنا أيديهم في ود وحب وبدون تردد، ومن حافظوا علينا عن عمد وعن فضل في غيابنا، فأقول لكم أنتم في القلب تسكنون، وبحبكم مازلنا متباركون حتي نلتقي ويكون اللقاء أحلي وأجمل ما يكون.


فما جمال الحياة سوي أُناس جميلة تعيشها معنا.


خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة

كلية العلوم جامعة طنطا

وكاتب واديب

[email protected]

WhatsApp: 01274272624


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة