قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لو تتوكلون على الله حق التوكل لزقتم كما يرزق الطير﴾...الحديث

عندما كنت صغيرا كان يقول لي الكبار عندما أبالغ بالاهتمام بأمر ما "إتوكل ع الله"فكنت أقول في نفسي : (كيف يعني"إتوكل ع الله")وأظن معتقدا لا موقنًا أن التوكل على الله هو بتسليم الأمر لله وحسب ...

وكلمت "ظن " تأتي أحيانًا بمعنى الكذب كقوله تعالى { وَمِنۡهُمۡ أُمِّیُّونَ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّاۤ أَمَانِیَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ } البَقَرَةِ: ٧٨.....

وقد تأتي بمعنى اليقين ، كما في المقال هذا ، كقوله تعالى :{ ٱلَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَیۡهِ رَ ٰ⁠جِعُونَ } البَقَرَةِ: ٤٦.

ويظنون معناها في هذه الآية :

"يوقنون" واليقين قد يأتي بمعنى الموت كقوله تعالى : { وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ } الحِجۡرِ: ٩٩ وقوله تعالى :{حَتَّىٰۤ أَتَىٰنَا ٱلۡیَقِینُ } المُدَّثِّرِ: ٤٧.

وعندما كبرت وتعلمت إكتشفت أن التوكل على الله يكون بالأخذ بالاسباب

الحلال منها والبعد عن الحرام قدر الإمكان ثم التوكل على الله وتسليم الأمر له فمثلاً الطالب لينجح أو يتفوق ينبغي عليه أن يدرس فلا يعقل أن ينجح بلا دراسة ومن إعتقد هذا فهو أحمق وفي الوقت ذاته لا ينسى أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين هو الذي يرزق المجتهد النجاح أو التفوق أو (العلامة الكاملة ) و ليست الدراسة بحد ذاتها فهي مجرد سبب من الأسباب ولكن في الحقيقية الله هو يرزق التفوق والنجاح وليست الدراسة أو الذكاء أو المعلم وغير ذلك ومن إعتقد أن الدراسة وغيرها من الأسباب تعطي التفوق أو العلامة الكاملة أو النجاح بذاتها فقد وقع في شرك الأسباب وأخل في عبودية لله والعبودية هي عبادة القلب عند بعض العلماء أو عبادة القلب والجوارح واللسان عند آخرين والعبادة إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة والبراءة مما ينافي ذلك فيدخل في هذا التعريف الشهادتان والصلاة والحج والصيام والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله والملائكة والرسل واليوم الآخر ،والعبودية لله تجمع وتتضمن المحبة والخوف والرجاء فالعبد يحبّ ربّه ويخاف عقابه ويرجو رحمته وثوابه فهذه أركانه الثلاثة التي لا تقوم إلا بها ولكل عبادة جوارح كالصلاة عبادة قلبية ففي الصلاة يعبد المسلم ربه بالجوارع وقلبه يعبد الله بقلبه بخشوعه ....

وليس في العبودية لله والذل له مذلة بل هي شرف قال الشاعر :-

ومما زادني شرفا وتيها

وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي

وأن صيّرت أحمد لي نبيا


ولا يعلق قلبه بالأسباب والناس.... ففي ؛ عبادة كل ذلك التعاسة والمذلة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم وتعس عبد الخميصة وتعس عبد الخميلة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط }. فالمسلم يبذل الأسباب لأنها مأمور بها شرعًا وعقلًا ولكن قلبه معلق بالله فعبوديته لله فعمل الجوارح بذل الأسباب وعمل القلب التوكل على الله والتسليم له ولا ينبغي على العاقل أن يكون كقارون لعنه الله الذي ظن أن ثروته اللتي وصفها الله بقوله: { ....وَءَاتَیۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَاۤ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوۤأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُو۟لِی ٱلۡقُوَّةِ ....الآية } القَصَصِ: ٧٦.. حصلها بعلمه و ذكائه { قَالَ إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِیۤۚ ... الآية} القَصَصِ: ٧٨...

وإنما الله هو الذي يرزق فهو مسبب الأسباب وقد ربط الله تعالى الأسباب بمسبباتها وهذا من كمال عدله سبحانه فلا يأتي الأولاد إلا بالزواج وقس على ذلك فالذي يريد التتغير للأفضل لا بد له أولا من أخذ أسباب التغيير بتغير نفسه قال تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}....

والإنسان لن يموت حتى يستكمل رزقه الذي قدره الله له وكتبه عنده في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وأمر الملك أن يكتبه وهو جنين في بطن أمه كما أخبرنا الصادق المصدوق وفي الصحيح

قال عليه الصلاة والسلام {:هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي : إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا ، فاتَّقُوا اللهَ ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه}....


فإذا أخذ الإنسان بالاسباب وحصل على ما أراد فيحمد الله و يشكره بالجوارح ويستملها في طاعته ومرضاته وفي الحلال لا في معصيته و بلسانه فيذكره وبقلبه فيوقن أن كل النعم التي هو فيها هي منه وحده فلا يستعملها إلا في مرضاته ولا يعصيه بالنعم الاخرى فالنعم تبقى بالشكر وتزول بالكفر والجحود ونسيان المنعم سبحانه الذي قال في كتابه :{ وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَىِٕن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَىِٕن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ } إِبۡرَاهِيمَ: ٧..

وإن لم يحصل على أراد فاليكم على يقين أن الله أعلم منه بما يصلحه في الدنيا والآخرة وأنه لم يعطه ما أراد لحكمته فقد يكون ما أراده شر له أو أن الوقت الأصلح لم يحن بعد أو منعه عنه ليختبر صبره ليكافئه أن صبر بغير حساب أو أنه سبحانه صرف عنه من السوء ما يكون لمصلحة أكثر من لو أعطاه ما أراد أو أنه يأخره له للآخرة والآخرة {خَيْرٌ وَأبْقَى} ....






ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إذا علم العبد و أيقن أن رزقه واجله ورزقه بيد الله استراحت واطمئنت نفسه وشعر بالسكينة وإن تعب جسده....

إقرأ المزيد من تدوينات محمد عبد السلام إبداح

تدوينات ذات صلة