هل الكتابة موهبة فطرية أم مهارة مكتسبة؟ هذا ما سنكتشفه في هذا المقال.

لطالما طرح السؤال هل الكتابة موهبة فطرية أم مهارة مكتسبة؟ تعددت الآراء حول هذا الموضوع بين من يرى أن لا كتابة دون موهبة وبين من يرى أن الكتابة ما هي إلا وسيلة تعبير وتواصل وبالتالي فهي كباقي المهارات التي تكتسب وتصقل مع مرور الوقت. إضافة إلى من يرى أن الكتابة لا تكتمل بنقص أي عنصر منهما.

في الواقع، الإجابة على هذا السؤال تبقى مفتوحة لأنه كما أسلفت الذكر هناك العديد من وجهات النظر المتعلقة بهذا الأخير، وكل وجهة نظر تعتبر منطقية إلى حد ما فلا يمكن تجاهلها. و للحصول على جواب شافي لابد من تجزئة الحالات وتقسيمها ودراسة كل واحدة منها بشكل منفرد.


بداية، لنتطرق إلى الكتابة على أساس أنها مهارة. لنفترض أن هناك شخصا أراد أن يكتب في مجال معين أو أراد أن يصبح كاتبا ويكتب مثلا في الرواية أو القصة أو ربما يكتب شعرا. إذا تعاملنا مع الكتابة هنا على أساس أنها مهارة فقط، فمن البديهي أن هذا الشخص سيلجأ إلى تعلم هذه المهارة عن طريق الدورات والدروس والمناهج المخصصة لذلك، والتي تقتصر على ضبط القواعد الإملائية والقواعد اللغوية والنحو والأساليب إضافة إلى منهجية الكتابة حسب نوع المكتوب سواء كان مقالا أو تقريرا أو قصة أو شعر ...إلخ. إذ تمكن هذا الشخص من تعلم ما سبق هل سيصبح بعدها قادرا على الكتابة؟ ربما نعم وربما لا. أو بالأحرى هل سيكتب بشكل جميل وسلس وانسيابي؟ هل هذه المهارات كافية للكتابة؟ أم أن الموهبة هنا تصبح العنصر المطلوب؟

من جهة أخرى، إذ تطرقنا إلى الكتابة على أساس أنها موهبة. نفس الشخص الذي تكلمنا عنه قبل قليل سيكون قادر على التعبير بشكل انسيابي وسلس بل والأكثر من ذلك فإن الأفكار ستلح عليه إلحاحا شديدا كي تخرج من عقله إلى الورق. بطبيعة الحال نحن نتكلم هنا عن امتلاك عنصر واحد، وبما أن هذا الشخص يمتلك الموهبة فقط، فكيف سيكتب نصه؟ إن طبع الأفكار على الورق بصورتها الخام ليس كافيا. فهناك أصول للكتابة وهناك علامات ترقيم وهناك قواعد لغوية وإملائية يجب احترامها. وإلا سيكون النص فقيرا بغض النظر عن جمالية التعبير وقوة الأفكار. ومنه نخلص إلى أننا نظل وسط حلقة مفرغة حيث أن كل من المهارة والموهبة تتطلبان التكامل فيما بينهما.


هل هذا هو الجواب إذن؟ طبعا لا. لربما أغلبية القراء الآن تبادر إلى ذهنهم أن الكتابة تتطلب ببساطة كلا العنصرين، لكن ليس هذا كل ما في الأمر. لو كان هذا هو الجواب لما اضطررت إلى كتابة هذا الموضوع الآن. وقبل أن أشرع في تقديم الأمور من وجهة نظري الخاصة، أريد أولا أن أنبه إلى أنني لا اتفق مع من يقولون أن الكتابة مهارة وأن الاستمرارية في ممارستها ستجعل منك كاتبا ولا أتفق طبعا مع من يقولون الكتابة موهبة بحتة. حتى وإن كان كلا الرأيين يتضمنان شيئا من الحقيقة.

لم يبقى لنا إذن إلا مخرج واحد وهو أن الكتابة مزيج بينهما. لكن ما النسبة التي يمثلها كل عنصر في هذا المزيج أو في هذه الخلطة؟ هنا يكمن جوهر الموضوع. إن كنت تظن خمسين بالمئة لكل عنصر، فأنت لم تفهم المغزى بعد. لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هو: على أساس سنوزع هذه النسب؟ وما هو المحدد الرئيسي؟

العامل الرئيسي للتقسيم هو نوع الكتابة وكنت قد عالجت هذا الموضوع في المقالة السابقة (ماهي الكتابة؟ وما أنواعها؟) حيث يوجد ثلاثة أنواع: الكتابة الوظيفية والكتابة العلمية والكتابة الإبداعية. شخصيا أرى أن حل هذه الإشكالية يوجد في نوع الكتابة. ولكي تصبح العملية سهلة سنقسم هذه الأنواع على قسمين. وللتوضيح لن نعطي لهذه النسب أرقاما بل سنكتفي بمعرفة العنصر الذي يمثل النسبة الأكبر في كل نوع.


القسم الأول حيث المهارة تمثل النسبة الأكبر، ويتضمن هذا القسم كل من الكتابة الوظيفية والكتابة العلمية. مع التدريب والممارسة وضبط الأساسيات والمهارات اللازمة يمكنك ببساطة أن تكتب حتى وإن لم تحب الكتابة يوما بيد أنك ستؤدي عملك الكتابي بشكل جيد. فالفرضية التي تنص على أن الكتابة مهارة، تصبح صحيحة في هذه الحالة. إذن ما دور الموهبة ؟ يمكنني القول ببساطة أن النسبة التي تمثلها الموهبة ولو كانت قليلة ستنعكس على الإبداع وجمالية الصياغة وهيكلة النص. فبطبيعة الحال حتى ولو كان المكتوب ليس شيئا للإمتاع أو مكتوب بشكل فني، فبنهاية المطاف هو مكتوب لكي يقرأ ويجب عليك أن تضمن أن يقرأه المتلقي للأخير وإلا معلوماتك الصحيحة والدقيقة والمفيدة لن تصل إلى وجهتها ولن يتحقق المطلوب. لكن لن أنكر أن المهارة في هذه الحالة ستسمح لك بتأدية عملك الكتابي وهذا الأهم.

نأتي إلى القسم الثاني وهو القسم التي يتضمن الكتابة الإبداعية حيث تتربع الموهبة على حصة الوحش إن صح القول. هنا أدواتك ستتجاوز المادة أي كل ما يتعلق بالمهارات إلى كل ما هو حسي وشاعري، حيث أن مكونك السحري سيكون الإحساس والتعبير وفصيح الكلام. فإن كنت كاتبا في مجال الكتابة الإبداعية أوتريد أن تكتب في مجال الأدب (شعر، رواية، نثر، قصة...)، فاسمح لي أن أقول لك أن الموهبة أو بالأحرى ملكة الكتابة شيء مهم وضروي.


وأخيرا إن كنت تريد أن تعرف الجواب حول ما يتطلبه عملك الكتابي من موهبة أو مهارة، حدد نوع كتابتك أولا ومن تم جهز أدواتك وفقا له. ولا تنسى أن تضبط مقادير مزيجك المكون من المهارة والموهبة، لكي تصنع وصفة يتلذذ بها كل من ذاق كتاباتك.


مباركة الفقري


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مباركة الفقري_classikiya

تدوينات ذات صلة