مراجعتي لرواية "ومازال النرد يدور" للكاتب "سامر النجار"

اسم الكتاب: وما زال النرد يدور


اسم الكاتب: سامر النجار


عدد الصفحات: 319




كانت رحلةً شاقَّةً وممتعة، ترافقت معها دمعاتٌ واحساس بالأسى والألم وبعضٌ من الفرحِ والحب.


آدم، لم يكن رفيق رحلةٍ بين دفَّتَي كتابٍ فقط، بل كان أكثر من ذلك، كان سببًا لِخروجِ ذكرياتي المختفيةِ زمنًا نحو تلافيف ذاكرتي القريبة من عينيَّ لِتُعرَض وكأنَّ شاشة عرضٍ مُتَمركِزةٌ أمامهما، أغمضت عينَيَّ وعِشتها مجدَّدًا، طفولة وحيدة وضعيفة، مهزوزة ومثار تنمر الآخرين من الأولاد، طفولة لا يوجد بها سوى شخص واحد كان أهلًا للثقة، ومصدرًا للأمان مُتجسِّدًا في قلبِ جدٍّ رحيمٍ ومحب.


يتيما كان آدم يعاني قسوة الحياة ومعاناتها في بيت عمه رفقة وحشٍ يسرق من روحه كل لمسةِ أمل وكل حلمٍ مُتجسِّدًا في زوجة عمه التي لم تترك له مجالًا لأن يشفق عليها يومًا.


تتالت الأحداث رفقة المعاناة وتنقَّلتُ خلالها من ظلمٍ لِخيبةٍ لِفقدٍ لقوةٍ وصوتٍ يملأ الملأ بالحياة والأمل، ومن ثم لِخيبةٍ فغربةٍ وجميعها كانت بحضورِ الوحدة التي لم تترك فرصةً واحدةً لآدم بأن يكون خارجها، حتى عندما كان يُصادق ويُرافق أحدهم كانت تنظر إليه من بعيدٍ وتغمز له بخبثٍ بأنها الباقية.


استمتعت بقراءة الرواية للحد الذي رغبتُ به أن لا تنتهي القصة أبدًا، استطاع الكاتب إثبات أن آدم قد يكون موجودًا داخل أيٍّ منَّا، وخصوصًا نحن كسوريين وُلِدوا وعاشوا وتشربوا الحياة داخل تلك القطعة الجغرافية الساحرة والبائسة بآنٍ واحد!


ومن بعدها تمَّ نفيُهُم وإقصاؤهم عنها بذات الوقت متوزعين بين مدنها كأشخاصٍ غرباء لا تربطهم أي صِلةٍ بتلك الأرض، أو خارج حدودها في أرجاء العالم كله يتذوقون لوعة الشوق والحنين والغربة التي لا ترحم!


كما أنها ناقشت قضايا عِدَّة وبرأيي كانت بعضها جريئةً لِحدٍّ ما، لكنها موجودة ولا يستطيع أحدٌ إنكارها وللأسف، كقضية التحرش الجنسي بالأطفال، الفعل القذر واللاأخلاقي الذي ينشر الرعب في قلوبهم فيكبر معهم شعورٌ بالذنب والندم لعدم إخبار أحدهم بما حدث معهم خوفًا مما سيُواجَهون به، والجبن الذي يترافق معهم خلال مراحل حياتهم، هل عليهم أن يتحملوا ألمًا كهذا حتى لا يواجهوا مجتمعًا لا يقوى إلا على إطلاق الأحكام أو إسكاتِ الضحية وإشعارها بالعار ولو كانت مجرد طفولة مسلوبة؟


ناقشت كذلك تبِعات نفسية رافقت البطل وكبرت معه حدَّ عدم إدراكه في كثير من الأحيان ماهِيَّة وجوده، كان دائم الشعور بأن عليه أن يكون في السماء بعيدًا عن يُتمه ووحدته، مما أدى إلى رغبته الدائمة بالموت رِفقة من ماتوا!


وبالوقت ذاته لم ينسى الكاتب أن يسلط الضوء على وجود القلوب الرحيمة التي لا ولن تُنسى كَالجد ودارين ابنة العم المُحِبة والعم إلياس الطيب، كأصدقاء رحلةِ الحياة والازدهار التي كانت السبب الوحيد الذي لامس قلب آدم وجعل حياته تنقلب رأسًا على عقب، لتصبح الذروة التي قلبت موازين الحكاية كلها وجعلته يشعر حقيقة بالحياة ويحبها.


ولم ينسى الكاتب أن يشير على الحب الحقيقي، الحب الذي يأتي كشفاء لأمراض الروح ونهاية لعذاباتها، الحب الذي يحيي في القلب الميت ألف حياة، الحب الصادق والباقي.


أشار على الأحلام المعلَّقة والأمنيات المستحيلة، على المخاوف والآثام، وعلى ذكر الآثام فأكثر ما أثار إعجابي بهذه الرواية أنها لم تقدِّم البطل بصورته المتعارف عليها والكلاسيكية بطبعها، بل قدمته كإنسانٍ حقيقي يُخطئ كثيرًا ويصيب أحيانًا، فكرة أن كل ابن آدم خطَّاء كانت موجودة وبقوة، كان آدم إنسانًا حقيقيًّا جدًّا، ولهذا أحببته وانتقيته صديقًا جديدًا لي.


كي لا أنسى، اشتقت لدمشق حدَّ أن دموعي الحارة انسابت على وجنتيَّ حنينًا لتلك المدينة الحبيبة أثناء مروري بوصفٍ رائعٍ لها.


سعيدة جدا بالفرصة التي سنحت لي بالتعرف على الكاتب الصديق "سامر النجار" والسماح لي بخوض رحلةٍ تشبهني في العمق السحيق من مُجرياتها.


بالمناسبة: هل ينتصر الحب دومًا أمام تقلبات النفس البشرية الهشة واللاذعة معًا؟




#مياس_وليد_عرفه




اقتباسات أعجبتني..


- لقد أحببتكِ حقًّا، بكلِّ ما أوتيتُ من قدرةٍ وبكلِّ ما تبقَّى لديَّ من مشاعر..


أحببتُكِ كما لم أفعل قَبلًا في حياتي..


لقد كان تعرُّفي إليكِ حدَثًا نادرًا طالما ترقَّبتُه في اللاوعي الخاص بي..


لطالما شعرتُ أنَّ النقص يعتري حياتي في جميع مراحلها، حتى قابلتُك!




- الأحزان لا تُنسى، لكنها مع الوقت تصير أكثر قابلية للتجاهل، وكأن ذاكرتنا رفوف معلقة فوق بعضها البعض، على جدران أرواحنا، كل فترة تنزل الأحزان على رفٍّ أسفل.




- النهايات غالبا ما تشبه البدايات، ولكن الزمن يسلب منها الوانها فتبدو أقل بريقًا




- ولكن لا، فقد صرتُ في حياتي الجديدة إنسانًا يريد العيش، بل يتمنى أن يمنح حياته الخاصة لكل شخصٍ يعاني على هذا الكوكب



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مياس وليد_حكاية شتاء

تدوينات ذات صلة