فريدا كاهلو: أيقونة الإبداع إلى الأبد، كسيرة الفؤاد والجسد

لم يكُن المرضُ والمُعاناةُ عائقاً أمام الاندِفاع نحو الحياةِ بِشغفٍ ورغبة، ولم تكُن الصُّعوبات سبباً مُقنِعاً للاستِسلامِ أو الخضوع، بل كانت هُناك حقيقةٌ واحِدة ألا وهي أنَّ الابداعَ يُولَد من رحِمِ المعاناة

اتَّخَذَت بطلَتُنا من الرَّسمِ وسيلةً وحيدة وفعَّالةً لِلتعبيرِ عن آلامِها وتجسيدِ مُعاناتِها، فقد كانت تجرِبتُها الخاصَّة منبَعاً لِخيالٍ خصبٍ ينعكِسُ على لوحاتِها التي تتَّسِم بالواقِعيَّة وسهولة إيصال الفِكرة لِلمُتلَقِّي

" أنا أرسم لِأني دوماً وحيدة وذاتي هي العنصُر الذي أعرفه جيِّداً وأستطيع رسمه "

الرَّسَّامة الشهيرة التي تمكَّنَت من تحدِّي إعاقَتِها ومآسيها عبر رسمِها لِبورتريهات ذاتِيَّة " فريدا كاهلو "

وُلِدَت فريدا كاهلو باسم ماغدالينا كارمن في أحد ضواحي كويوكان في المكسيك بِتاريخ 6 يوليو 1907 ، كان والِدها مُصَوِّراً ألمانِيَّاً مُهاجر لِلمِكسيك حيثُ قابلَ والِدة فريدا مكسيكيَّة الأصل، لدى فريدا ثلاث أخوات "ماتيلدا و أدريانا" أكبر منها سِنّاً و "كريستينا" أصغر منها بِعام .

كانت طفولةُ فريدا مُتَّسِمة بالألم حيثُ أُصيبَت وهي بِعمرِ السادِسة تقريباً بِشللِ أطفالٍ جعلها طريحةِ الفِراش مدة تِسعة أشهُر ولم تُشفَ منه بالكامِل حيثُ تسبَّبَ بإعاقَةٍ برجلِها اليُمنى أثَّرَت سلباً على نفسِها وبثَّت في روحِها الحزن ، لكِنَّها لم تستسلِم بل فضَّلَت أن تسعى خلفَ أحلامِها إذ أنها في سنتِها الثَّانوية كانت تُحِب علم الأحياء وترغب أن تُصبِح طبيبة غير أنَّ حلُمها لم يُكتَب له أن يتحقَّق .

"لِمَ قد أحتاج لِقدَمَين ولدَيَّ أجنِحة لِأطير "

" أنا مُلهِمةُ نفسي "

لم يكُن الشلل هو المرضُ الوحيد الذي أُصيبَت به فريدا فقد كانت حياتُها عِبارة عن سلسلة من الأحداث والآلام التي تحَدَّتها ووقفَت بِوجهِها مُتسَلِّحةً بِموهِبةٍ اعتَنقَتها بعد الحادث المُريع الذي تعرَّضت له في حافِلة عام 1925 والذي تسبَّبَ بتعرُّضِها لِكسورٍ في العمودِ الفقري والحوض مما ألزمها البقاء في الفِراش بلا حراكٍ ولِمدةِ عام كامِل

لم تستطِع والِدتها تحمُّل رؤية ابنتِها تُعاني الوِحدة والحزن والكآبة فحاولت جاهِدةً لِإسعادها وتأمين الراحةِ لها فوَفَّرَت لابتِها مِرآةً ضخمةً في سقف غرفتِها وسريراً مُتحرِّكاً ، نتيجة ذلك كانت في مواجهةٍ دائمة مع ذاتِها إذ أنها لم تكن ترى إلاَّ انعِكاس صورة وجهِها على المِرآة ، فطلبَت من أمِّها لوحةً وفِرشاةً وألواناً لِلرسم وبدأت برسمِ وجهِها كلَّ يوم حتى اكتشفَت تدريجيّاً شغفها وإبداعها بالرسم

مُعظم أعمال فريدا شخصِية جدّاً تُمَثِّل مُعاناتِها وآلامِها وحياتها بِصورة واقِعية حيثُ أنها صوَّرَت الألم في لوحاتِها بِقُبحِه ولم تُظهِره على أنه ألمٌ مُقدَّس

امتلكَت فريدا داخلَ جسدِها المريض والمُعذَّب إرادة قويَّة تحدَّت بها إعاقتَها مُستَغِلَّةً بذلك موهِبتها في الرسم الذي كانت تجدُ فيه الدواء الوحيد والمُسكِّن لِأوجاعِها فتصبح بذلك من أشهر الفنانين في العالم

تتميَّز لوحاتها الشخصيَّة بأنها تظهر بها بِحاجِبَين مُتَّصِلَين كالغراب وشارِب

ويُذكَر أنَّه من بين لوحاتِها ال 143 هناك 55 منها رسماً ذاتِيّاً

تزوَّجَت فريدا من الرَّسام الجِداري الشهير دييجو ريفيرا والذي يكبُرُها بِ20 عاماً بعد أن أُعجِبَت بِفنِّه وراقَبَته أثناء رسمه لجدارية اسمها "الخلق " على أحد جدران معهد الرسم الذي كانت مُلتَحِقةً به

توفِّيت فريدا في 13 يوليو 1954 بِنفس المدينة التي وُلِدَت بها وانتشرَ فنُّها بعد ذلك، وتحوَّل منزلها حيثُ عاشَت فيه مع والِدَيها والمُسمَّى بِ "المنزل الأزرق " إلى متحف في 1958


وفي عام 2000 أُنتِجَ فيلم هوليوودي باسم "فريدا" من بطولة الفنانة "سلمى حايك" وقد حاز على جائزة أفضل مكياج

من مقولاتِها " أرسُم الأزهار كي لا تموت "

وقد رسمَت بقاءها حيَّةً إلى الآن عبر لوحاتٍ صوَّرت من خلالِها الألم بحقيقتِه بِلا أي زيف لِتُثبِتَ أن الابداع يخرُجُ من عُمقِ الألم .


#مياس_وليد_عرفه


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مياس وليد_حكاية شتاء

تدوينات ذات صلة