اسم الكتاب: ألف شمس ساطعة اسم الكاتب: خالد الحسيني عدد الصفحات: 416 نوع الكتاب: رواية

للمرة الثانية أقرأ هذا العمل الأدبي الساحر للكاتب والروائي خالد الحسيني، العمل الغير عادي أبدًا والممتع جدًّا بالقدر ذاته من الألم.

للمرة الثانية ترافقني دموعي وغصة القلب أثناء غوصي بين صفحاتها، تلك الرواية التي تجسد المعنى الكامل للحب والوفاء والعائلة والصبر وتحمُّل المشاق، والمعنى الكامل للتضحيات والبطولات التي تقوم بها المرأة في سبيل الحفاظ على عائلتها ومن تحب.

صور لنا الكاتب جانبا من أفغانستان التي لم نعلم عنها الكثير إلا المآسي المعروضة في نشرات الأخبار والناتجة عن حربٍ طويلة شرسة لم تهدأ منذ زمن طويل، وعرض لنا ما فعلته تلك الحرب الشنيعة من دمار للبنيان والنفوس على حدٍّ سواء.

بدأت الأحداث في مدينة هِرات حيث كانت تقطن مريم الصغيرة وأمها "نانا" في كُلبةٍ" من الطين في منطقة نائيةٍ بعيدةٍ عن المدينة يحتاج الوصول إليها لقطع غديرٍ من المياه ومسافة من العشب الطويل وطريقٌ وعِرة جدًّا.

رغم فظاظة نانا وأسلوبها البائس والقاتل لأي لمحةِ أملٍ في قلب مريم إلا أنها وعلى عكس "جليل" والد مريم الذي كان يمطرها بالكلام اللطيف والحكايات الجميلة والهدايا التي كانت بالنسبة لها الأثمن على الإطلاق، كانت تحب مريم!

الوحيدة التي أحبتها ولم تكتشف مريم الصغيرة ذلك إلا عندما حدثت الفاجعة وعرفت أنَّ كل ما كان يقوله جليل كان مجرد كلام ليس إلا!

جليل الرجل الغني الذي يعيش في قصر كبير ويركب أحدث السيارات ويلبس أفخم الملابس لم يقدم لابنته مريم التي تعيش في كُلبةٍ من الطين مع والدتها إلا الكلام!

لفتت نظري شخصية "المُلا فيض الله" الشيخ الطيب والإمام الوقور الذي حمل على كاهله مهمة تعليم مريم القرآن الكريم، وتحمَّل مشقة الطريق ووعورته للوصول إلى بيتها لِأجل ذلك.

حيث استطاع ذلك الرجل الطيب بناء علاقة أبوية وطيدة مع مريم، كما وتمكن من كسب ثقتها فصارت تخبره بأشياء لم تكن تُطلعها على نانا أو جليل دون خوفٍ أو قلق، كانت تعلم أنه المُتنفَّس الوحيد والمُطمئن بالنسبة لها.

لكن لا شيء يبقى على حاله، بعد الخيبة الكبيرة التي أهداها جليل لمريم، وبمكيدة من زوجاته الرافضات لوجودها تزوجت مريم ابنة الخامسة عشر سنة من رشيد الأربعيني لتنتقل معه إلى مدينة أخرى لا تعرف عنها شيئا.

"كابل" تلك المدينة الكبيرة الضخمة والجميلة، هناك استطاعت حصد بضع ذكرياتٍ لطيفات قبل أن يتحول رشيد لشخصيته الحقيقية العنيفة والظالمة، المستفزة لتتحول حياتها لجحيمٍ مقيت، لكن لا مجال إلا للصبر!

عاشت مريم كما نساء كثيرات في تلك الفترة الزمنية تحت سطوةِ رجالٍ لا ترحم ترى أن المرأة مجرد خادمة مطيعة للزوج من جهة، وتحت سطوة طالبان من جهة أخرى!

كما وتتحول حياة طفلة مدللةٍ من قِبلِ والدها الذي بنى عليها آمالا وأحلاما من النجاحات ورسم لها طريق العلم للوصول، وبعيدة عن والدتها التي تحبس نفسها في غرفتها وسط ظلامها وكآبتها حزنًا على طفليها الشهيدين.

وصديقة وفيَّةُ، ومن بعدها حبيبة صادقةٌ لطارق، الشاب الذي بتِرت إحدى قدميه بفعل الحرب، إلى جحيمٍ وتنقلب رأسًا على عقِب!

ليلى ومريم من جيلين مختلفين تمامًا، لكلٍّ منهما حياتها وأفكارها وطِباعها الخاصة والمختلفة عن الأخرى، يجمعهما القدر تحت سقف واحدٍ، تبدأ علاقتهما بالبرود ولا تلبث بفعل الظلم الواقع عليهما حت تذوب قطع الجليد وتصبح العلاقة بينهما حميمة كعلاقة أم بابنتها.

تتحملان معًا ظلم رشيد، ومن ثم الشباب المقاتلين ومن بعدهم طالبان وفترة القحط والجوع، تجد كل منهما ملاذها عند الأخرى وتربيان الطفلة عزيزة على المحبة.

من أقسى المواقف التي مرت علي في الرواية هي أن الأمهات ومن شدة الفقر والجوع صارت تأخذ الأطفال بأيديها لتودعها في دور الأيتام فقط حتى يتمكنوا من الحصول على وجبات الطعام!

أي حياةٍ قاسية تلك التي تجبر الأمهات على التخلي عن أبنائهن حتى لا يخطف الجوع حياتهم؟

صورت لنا هذه الرواية النفس البشرية الجشعة والظالمة، التي قد تكذب في سبيل الحصول على ما ليس لها بكل جرأةٍ ووقاحة!

وصورت أيضا النفس البشرية التي تكذب فتتلاعب بعواطف الآخرين لتواري سوءة ذنب اقترفته، فتكسر بالخواطر وتصنع من الخيبة عقبة لا مجال للمسامحةِ بوجودها!

وصورت لنا أيضا الحب الصادق النقي الذي لا تقتله حربٌ ولا مسافاتٌ ولا عمرٌ كاملٌ تم عيشه بدون الحبيب، بالنهاية الحب الحقيقي لا يموت مهما كانت الظروف.

كما وتحدثت لنا هذه الرواية عن تاريخ بلدٍ كاملٍ بأجيال متعاقبة من خلال الأحداث التي دارت بين شخوصها، والأحلام التي بُترت أطرافها وتحول بعضها لجثثٍ هامدة كالتي كانت فوق أراضي كابل أيام الحرب!

رغم استمتاعي بقراءة صفحات الرواية إلا أني لم أتمكن من منع نفسي عن بكاء ذلك الوطن الذي عانى من الظلم ما عاناه، وبرغم ذلك بقي شعبه يتغنى بحبه وبِألف شمسٍ ساطعةٍ فيه من الأمل بحياة مشرقة.


#مياس_وليد_عرفه




اقتباسات أعجبتني




-رسخت في ذهنها قناعة أن من بين كل المشقات التي يواجهها الشخص لا شيئ أكثر عقابًا من فعل الانتظار.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مياس وليد_حكاية شتاء

تدوينات ذات صلة