ربما أنت الآن في منتصف القصة، وستأتيك اللحظة التي يُقال لك فيها: "سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا".

"هذا فِرَاقُ بَيِْني وَبَيْنَك، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا"

آية قرآنية ليست كأي فِراق، بل هو وداعٌ بين العقل الإنساني المحدود، والحكمة الإلهية التي تسير خلف حجب الغيب. في هذا المشهد العميق من قصة موسى والخضر عليهما السلام، تُنقلنا الكلمات إلى لحظة من لحظات الحياة التي يعجز فيها الفهم، ويتقدّم القدر بما لا تُطيقه عقولنا المؤقتة.


في هذه الآية، ليس الفراق نقصًا، بل اكتمال. ليس عجزًا، بل بداية الإدراك. فقد سار موسى مع الخضر، متسائلًا، مستغربًا، معترضًا أحيانًا، لأنه كان يرى ما يحدث من ظاهر الأمور: خرق السفينة، قتل الغلام، إقامة الجدار، أما باطنها فكان في علم الله.


أحيانًا تمضي في حياتك تصرخ في وجه الأقدار: "لماذا؟ كيف؟ متى؟"

تُؤخذ منك أشياء ظننتها لك، تتأخر الإجابة، ينكسر قلبك من فعل لا تفقه سببه، فيأتيك الجواب من السماء، لا ليشرح كل شيء، بل ليذكّرك: "سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا".


في لحظات الارتباك، حين تتقطع بك سبل الفهم، تذكّر أن هناك حكمة لم تُكشف بعد، وخيرًا ينتظر لحظة كشفه. ليس مطلوبًا منك أن تفهم كل شيء الآن، بل أن تصبر حتى يأتي التأويل، حتى تُدرك أن ما بدا كخسارة كان نجاة، وما ظننته ظلمًا كان لطفًا.


الصبر في هذه الآية ليس ضعفًا، بل جسر يعبر بك من الألم إلى الفهم، ومن الانكسار إلى البصيرة.

كل فراق في حياتك قد يكون مثل فراق موسى والخضر: بداية رؤية جديدة، لا نهاية علاقة.


فإن ضاقت بك الدنيا، وارتبكت خطاك، وتكاثرت الأسئلة دون إجابات، قف لحظة وتأمل:

ربما أنت الآن في منتصف القصة، وستأتيك اللحظة التي يُقال لك فيها:

"سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا".


حينها، ستبتسم، وتمضي، وقد فهمت.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات المَروة علي

تدوينات ذات صلة