في المضيّ شفاء، في الخطوة القادمة حياة. امضِ نحو الضوء، حتى وإن لم يكن ساطعًا بعد.

لا تسترجع، امضِ


في زحام الذاكرة، تتسلل إلينا مشاهد من الأمس، كأنها أطياف ترفض أن تندثر. نسمع همسها في لحظات السكون، نلمح ظلها في تفاصيل الأيام، ونتعثر بها عند كل منعطف. لكن، يا لَدهشتنا! كيف نقف أمام المرايا القديمة نبحث عن انعكاسٍ لِـمَا لم يعد، متناسين أن الزمن لا يلتفت للخلف، وأن الحياة لا تنتظر من يتباطأ في اجترار الذكريات.


لا تسترجع.

تلك اللحظة التي ظننت أنها كانت الفرصة الذهبية، ذلك القرار الذي ندمت عليه، تلك الكلمة التي لم تُقل أو التي قيلت في غير موضعها... كلها مضت، وكلها كُتبت في سطور مضت وانتهت. ما كان لن يعود، وما ضاع لن يُسترد. فما الجدوى من النبش في رماد لا يحمل إلا غبار الحسرة؟


إن الاسترجاع لا يُعيد الزمن، بل يستهلك أعصابك، ينهك قلبك، ويطفئ وهجك. كمن يحاول أن يحيي وردة ذابلة بالنظر فقط. الحياة ليست أرشيفًا، بل تيارًا جارياً. كل لحظة تمضي، تأخذ معها فرصة، لكنها تترك خلفها فرصة أخرى، تنتظر من يتقدم، لا من يلتفت.


امضِ.

في المضيّ شفاء، في الخطوة القادمة حياة. امضِ نحو الضوء، حتى وإن لم يكن ساطعًا بعد. لا تخشَ الطرق الجديدة، ولا تستصعب الصعود. كل دربٍ يبدأ بخطوة، وكل شمسٍ تشرق بعد ظلمة. سرّ النجاح ليس في ألا نسقط، بل في أن نقوم بعد كل سقوط، وننفض الغبار، ونواصل السير بثبات وإصرار.


امضِ بإيمان، فالقادم قد يحمل لك من الجمال ما لم يخطر لك على بال. افرد جناحيك للحلم، دع قلبك يقودك بثقة، وذكِّر نفسك دومًا أن خلف كل تعثر حكاية نضج، وخلف كل وداع بداية جديدة.


لا تسمح لحنينك أن يأسر حاضرك، ولا لمخاوفك أن تعيق مستقبلك. الزمان لا يرحم المترددين، بل يكافئ الشجعان الذين يحسنون الوداع، ويتقنون البدايات.


في النهاية،

ليس الماضي وطنًا، بل محطة مرّ بها القطار. والقطار لا يعود، بل يمضي إلى ما هو أبعد، وأوسع، وأكثر إشراقًا. فاصنع لنفسك طريقًا جديدًا، واكتب فصلك القادم بإرادتك لا بأشباح الأمس.


لا تسترجع، امضِ.

فمن يمضي، يصل. ومن ينظر خلفه طويلاً... يتعثر.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات المَروة علي

تدوينات ذات صلة