تبقى الحياة متمسكة بسرها العجيب الذي لا يفهم , تارة ترفعك وتارة تهبط بك في قعر لا يسعك الخروج منه





06.07.2022


معن ريان




كمية الذهول في هذه الحياة ليس مبالغ فيها بلا شك بل هي أعظم ، تُكتب شهادة في يوم ميلادك و يلاصقك اسم لم تختاره و يتم تربيتك كباقي الأطفال الى ان تكبر ، تصل سن الوعي و تبدأ رحلتك في الحياة وتمضي الأيام تلو الأخرى ، تجد نفسك في مقتبل عمر النضوج فجأة او ربما اوسطه ، تلتفت لسنوات عمرك التي ذهبت فتدرك انها لم تحسب من عمرك ، تفكر لم لا تستطيع تذكر يوم ولادتك او سنين عمرك التي انسكبت ، كيف مضت الطفولة كأنها بضع أيام فلا تتذكر منها الا بضع مواقف وباقيها قد طمست ، ماذا حل بالسادس من عمرك وكيف كنت تمضي يومك حتى تدرك انك لا تتذكر شيئا سوى انها ايام منسوخة من بعضها البعض فلا شيء يميزها الا معرفتك المعدومة و جهلك المطلق للأشياء ، كنت تظن ان الحذاء المقلوب يجلب اللعنة او ان الشتيمة لا تصيب الا صاحبها ، كنت تظن ان والديك قد ولدا كبارا وتحسد بشدة من أنهى دراسته وانتهى من كل هذا الصباح المدرسي المتكرر ، كأنها الجنة ، كانت معرفتك المحدودة والمحدودة جدا لا تزيد عن خارج منزلك الا بشارعين فقط ، لم تكن تعلم كم هو موحش ذلك العالم الخارجي وكم الأعباء التي تحملها والديك لحمايتك ، لم تكن تدرك ان الفاكهة التي تشتهيها اليوم هو الأمر الأعظم لأباك ،يخطها في رأسه بعرض الحائط؛ لأهمية الأمر له فيجلبها لك مساء عودته، تشرد بذهنك بعيدا لما كنت ولما وصلت وما آل اليه الحال فتمتزج المشاعر بين عز وفخر وحزن وقهر ،تمسح دمعة و ترسم بسمة كالجنون يضرب عقلك و تفكر كيف أرد هذا الدين وما انا صانع بنفسي ، و أي ظن قد يخيب وما هي الآمال المعلقة ، تسير مطولا بين خبايا العقل و تتخابط الأمور بعضها ببعض و تكتب القصائد بكل ما ترى ولا تقوى على قول كلمتين واصفا حالك !

ان التشعب الذي يحدث في افكارنا المتعددة يزيد الأمر صعوبة ، فتصمت مطولا لان لكل سؤال إجابة ولكل إجابة احتمال ولكل احتمال احتمالات كأنها عيون موسى تصب كل منها في نهر وتمتد الأنهار وتكثر اوصالها ، ان هذا التفكير الذي يحدث عادة خاصة في شرودك الغير مقصود يحتاج لعوالم كثيرة لإستيعابه فكما قيل " ان العالم الذي في رأسي اكبر من العالم الذي رأسي فيه" تجبرك الحياة للإستعداد للصفعة الثانية اذا قُدرت لك الأولى ونظرك مُتَسمّرٌ بأم عينيها بكل كبرياء كأن الألم ليس في معجم حياتك ، كنت تركض خائفا لستارة يحركها الهواء والآن تتمنى لو صديقك الوهمي آنذاك يعود ليؤنس وحشتك ، وكم كنت ظالما للوحش القابع تحت سريرك ،ربما هو كان خائفا مثلك فلا تلمه، ان الوجع يا صديقي هو الدرس الذي لا ينتسى من حياتك، فحين تقول تعلمت فهذا يعني انك دفعت الثمن ،وبعض الدروس أثمانها باهظة لا تقدر بثمن ولا تكتال بكيل وان صغرت ، يبدأ مفهومك للحياة يتضح حين تبدأ دائسا على قلبك لأمر عقلي لا مكان للقلب فيه و تَزِنُ الأمور حق ميزانها وتقسط ما استطعت ، يبقى السؤال الذي يشغلنا ؟

لم المشاعر التي يجب ان تقال لا تقال ولو توفرت لها سبل الراحة من آذان صاغية وقلوب منفتحة وأفواه مقفلة ، تبقى تلك الزاوية من القلب سوداء بكلمات لا تخرج كأن أحد ملوك الجان يحرسها تأبى الخروج ، تخرج كلمات و تُعاد كلمات تُصاغ لتقال بما نقوى على قوله ، لكن ذلك الكحل العالق في صدرك من حديث لا يخرج، كأنه اذا خرج لا يفهم واذا فُهم فلا سبيل له الا باتجاه واحد وان كثر المفسرون ،كأنه ظلمتك ووجعك بل هو انت بل هي حقيقتك التي لن تظهر..


معن ريان

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات معن ريان

تدوينات ذات صلة