الإنسان سيظل إنسانًا بكل ما فيه من قبح ومن جمال، ولن يستطيع ألف منقذ تغييره.
عند التفكير بمفهوم "القيم الإنسانية" فإنه يبدو مفهوما غامضا و غير محدد. و أول سؤال يجب سؤاله هو كيف نعرف تلك القيم الإنسانية؟ و لنستبعد طريقة الاستنباط الفلسفي ليكون جوابنا من خلال النظر إلى تاريخ الكائن الإنساني وملاحظة ماهي القيم التي تحركه. فإذا فعلنا ذلك، و تقصينا تأريخ الإنسان، تأريخ فعله و فكره، فإننا نجده من ناحية الفعل تاريخ صراع وحروب و ليست فترات السلم سوى استراحة للمحاربين حتى يستعيدو نشاطهم ليعودوا إلى ميادين القتال. و على مستوى الفكر لم يتورع هذا المخلوق عن خلق مفهوم لا يقل غموضاً عن المفهوم الذي بين أيدينا وهو أن الحرب تكون أحيانا طريقا للسلام! ومن العجيب أن هذه "الأحياناً" تظهر في كل الحروب! فقد صنع الانسان من كل حرب طريقاً للسلام! فالسلام هو القيمة الانسانية التي يدعي السعي نحوها ولكن القيمة التي تتجسد على الأرض هي قيمة الحرب والقتل! وهكذا في بقية القيم الأخرى فنرى الخير والحب والجمال توضع في أعلى السلم الإنساني ولكن درجات هذا السلم ملطخة بالشر والكره والقبح!
القبول بمفهوم القيم الإنسانية يعني القبول بكل القيم التي جسدها الإنسان على الأرض. هذا هو حد الشرط الإنساني.
أما الدين فهو محاولة لتجاوز حدود هذا الشرط. محاولة لرفع الإنسان من الإنسانية إلى الإلهية وهذا واضح من خلال القيم التي يعلقها الدين على صدره وهي كلها قيم "إلهية" رفيعة. و لكن المثير هو أن الدين نفسه خضع للشرط الإنساني وهذا يتجلى بالحروب التي خاضها الدين أو التي تم خوضها باسمه. ولذلك اخترعت الأديان فكرة المنقذ الأسطوري الذي سيظهر في نهاية الزمان. ولكن الإنسان سيظل إنسانًا بكل ما فيه من قبح ومن جمال، ولن يستطيع ألف منقذ تغييره.
التعليقات