مراجعة و تقييم رواية الصبيّة والليل لمؤلفها الفرنسي غيوم ميسو
تسعة صفحات على مُغادرة الصبيّة و الليل.. الفراق الذي يؤلمني ليسَ فراق الأحبّة ولا الأصدقاء بل مُفارقة كتاب أحببته وأحببت وقتك في قراءته، الوداع الصبيّة و الليل .. الوداع فينكا الصبيّة الصامتة .. الوداع توماس المخلص الوداع أنابيل المزدوجة.. الوداع فرنسيس الذي يتمتع بقوة الثيران..
عشتُ مع هذا الكتاب أسبوعين وقد شارفت على الانتهاء.. الرواية رائعة جدًا و غامضة وشخصياتها عميقة كتبها المؤلف بكامل تفاصيلها ومعانيها لم تغمض عينيه عن خطأ بغير عمّد فقد كان مستيقظ لكل شيء.. شخصياته لهم أصواتهم وأفكارهم تستطيع فهمهم لأنك تسمعهم يتحدثون عن أنفسهم وجوانب حياتهم..
تصّور المشاهد جميل جدًا يُدخلني ميسو في عالم جريمتهم و عن عالم إفصاحهم عن أنفسهم.. يتميّز المؤلف وكتابه بتصّور الأماكن تغمض عينيك و تراها حقًا وكأنك قد زُرتها من قبل وهذه مميزات الكاتب الجيد حينما يكتب كتاب رائع مثل الصبيّة والليل.. الذي يُقلقني هو أنني لم أسمع فينكا طيلة الوقت.. فقد كانت الشخصية الحاضرة الصامتة يتكلمون بلسانها و يعيشون حياتها ويميتونها..
كلمّا شعرت بأنَّ السرد يُضيع بي وجدت المؤلف يمسك بيدي ليعيدني للقصة.. أبهرني جدًا أنّهُ متمسك بالقصة ولم يجعلها تفلت بين أوراقه.. رواية غامضة حبكة بوليسية خطيرة يتوفى فيها أشخاص أبرياء لمجرد أنهم يحملون اسم ألكسيس ولكن لا نعرف اسمائهم الأخيرة أو ألقابهم في الجامعة.
لا يمكن أن يكون هنالك جزء لم يعجبني في هذهِ الرواية ولكن ذَكر المؤلف جزء من علاقات الشواذّ كان مزعج قليلًا بالنسبة لي.
الأمر الرائع في هذهِ الرواية هي جريمة واحدة ويعتقد الكل بأنَّ أيديهم مُلطخة في هذهِ الجريمة دون أن يعلم الأخر بها فكيف يوصفّها كل واحدًا منهما من وجهة نظره.. كان فصل شخصية فاني مُبهر جدًا جعلتني أتعاطف معها وكأن لها الحق في قتل فينكا لأنها فقط تُحب هذا الشاب و بالطبع هذا تصرف غير مُبرر.. كيف يوصفها الراوي توترها جلستها حديثها عن توماس و عن مدى حُبّها له وحياتها بأكملها لا تعيش إلا على حُب توماس.. الذي يميل ميلًا شديدًا لشخصيتنا الصامتة.. فاني جعلتني أشعر بأنها مُذنبة و أنانية ولكن في صفحةً واحدة في نهاية الثلاثة مئة ورقة كانت الحقيقة تكمن في فمّ فرنسيس كل ذلك الوقت.. أشتبهنا بالجميع كرهنا الجميع ثم أحببناهم تعاطفنا معهم و حاولنا إيجاد مبررات قتلهن..
ألكسيس أستاذ مادّة الفلسفة.. كان يريد أن يُدافع عن نفسهِ بقول الحقيقة ولكننا كلنا وقفنا في وجههِ.. توقف على الدفاع عن نفسك فأنت لا تستحق .. وهو طائر ملائكي بريء.
تنوية الكاتب في الصفحات الأخيرة أبهّرتني وفتحت أبواب الشك في مخّي، هل هذهِ القصة حقيقة ولم تكن رواية؟ وهل توماس هو الكاتب نفسه؟ ولماذا أقسم بأنه لم يضع الجثّة في جدار الجمنازيوم؟.. و أن كانت للإثارةً فقط فلا شك أبدع في ذلك.. و من حسن حظي الجميل أنني أملك نسخةً أخرى من مؤلفات غيوم وهي حياة الكاتب السرّية.
جزء من تصّور المشاهد في فصل ١٣ ساحة الكارثة “ فوق رأسها، كانت لوحة مزخرفة تلتمع بأنوار دافئة، حمراء، في ضوء الشموع المرتجفة. وفي وسط الإطار الخشبي المُذَهَّب، كانت العذراء مريم أمّ الرحمة تمسك الطفل يسوع بيد وبالأخرى سبحة الوردّية، الحمراء اللون، الملتهبة كالنار.”
وهذا كان جزء بسيط من تصّورات الكاتب الرائع.. بالنهاية الكتاب رائع اللغة إبداعية و أدبية بحت القصة جميلة والحبكة متماسكة بشدة كلما حاولت السقوط تضمّك الأحداث بهيّبتها، بالنسبة لي هذهِ الرواية تدخل في دراسة الأدب العربي و بالطبع كُل الشكر و الأمتنان للمترجمة ناتالي الخوري لم تتلاعب في الترجمة وشعرت بأنها تنقّلها من مخّ المؤلف نفسه.
الاقتباس : “ لا جدوى من نكران معضلة المشاعر وتنوُّع البشر. حياتنا متعدّدة الوجه. حروفٌ لا تُقرأ في الأغلب، بل وتقوّضها طموحات متناقضة. حياتنا هشّة، ثمينة وتافهة في آن واحد. تعوم في صقيع مياه الوحدة تارةً، وتتمرَّغ في دفء ينبوع الشباب الأزلي طورًا. خصوصًا، أنّ حياتنا لم تكن يومًا تحت سيطرتنا. فأيّ شيء قد يقلبها رأسًا على عقب: كلمة مهموسة همسًا، نظرة ملتمعة حماسة، أو ابتسامة تطول أكثر من هنيهة، قد تُحلِّق بنا إلى سماء النعيم أو تدفعنا إلى لجّة العدم. على الرغم من عدم يقيننا، ما كان أمامنا من حلّ سوى أن نتظاهر بالسيطرة على تلك الفوضى الهائجة، على أمل أن تجد ميول قلوبنا مكانها في مخطَّط العناية الإلهيّة. “
التقييم النهائي : ٩ / ١٠ ⭐️.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
كفو عليك حصيصه اتمنى لك كل توفيق ونجاح ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️