نحن قد خُلقنا من الفن وهو قد خلق من بقايانا التي اردنا إعادة ترميمها.

{لَقَد خَلَقنا الإنسانَ فىِ كَبَدٍ}

{قَالَ إنمآ أَشكُواْ بَثِّي وَحزنِيٓ إلى اللِّهِ}

{وَقَالواْ الحمدُ للهِ الذيٓ أَذهَبَ عَنَّا اٌلحَزَن}




القرآن لم ينكر أبدًا وجود الحُزن، وليس هنالك من يستطيع انكاره. فالحزن هو مشاعر فطريه مشتركه بين جميع بني آدم.




الحزن هو مكابدة وجع لا تعلم كيف تداويه، مكابدة ضيق يخنقنك، ويحاول أن يُنهيك. الحزن هو شعور يجعل كل طاقتك تنفذ، ولا يُبقي لك سوي الفراغ، لا يُبقي لك سوي الرغبة في البكاء، بعدما ينزع منك كل بهجتك.



‏يُقال أن هنالك علاقة تضاد بين التعاسه والإستمراريه في العيش، ‏ولذلك يكون الإنسان مجبرًا على مواجهة حزنه بشكل أو بآخر، وهذا ما كان علي فعله.

عندما تمكن مني الأكتئاب قبل عام، اذُكر انني قد كتبت هذه العبارات " الأشياء التي لا أبوح بها، تلاحقني دائمًا، تتبعني لتقلب مزاجي رأسًا علي عقب في أشد ايامي فرحًا،كلما ظننت انني نسيت، اجدني نسيت ان انسي، وتواجهني حقيقة فشلي في التخطي، فياليت الأمر كان بتلك السهوله، وياليت قلبي كان مرنًا ينسي ويهجر. يكسر مثلما كُسر، ويأخذ حقه.

عندما افكر كثيرًا في أعوام قد مضت من حياتي، لاأذكر أنني قد سعدت مره من كل قلبي، لا اذكر انني قد سرت يومًا إلي درب ما، ولم اعد منه ابحث عن سريري لابكي عليه، واعيش يوم جديد مع احزاني، وعندما تشرق الشمس كنت ازيف ضحكاتي، والقي النكات، اعبث ما هذا وذاك، حتي ظن العالم انني تافه لا تستطيع تحمل المسئوليه، لكن ظنهم لم يعد يؤذيني، فمن يفكر بهذه الطريقه يجعله هو ساذجًا، يُبدي مدي جهله بالبشر وخبرته القليله، فلو درس الكثير لعلم ان اكثر الاشخاص الذي يُضحكون العالم، هم اكثر الاشخاص الذي يبكون في العالم، لعلم ان كثرة الحزن تجعل المرء يحاول ان يحمي نفسه بإلقاء بعض النكات السخيفه، لكي لا يذهب حديثه مع اي شخص الي نحو آخر، لانه لو ذهب الحوار الي النحو الذي لا يرغب فيه سيضطر لان يحكي عن نفسه، عن اواجعه وحزنه، عن احلامه التي تحطمت، ولم تتحقق بعد، لذلك ومن دواعي التبسيط يبدأ ف القاء النكات،ويعبث مع الجميع حتي يعود الي منزله ليلًا ليبكي علي السخريه التي لاقاها في الصباح"





‏بعدما كتبت هذه العبارات لم ينتهي وجعي ولم يمر لكنني شعرت حينها بأن ‏الوجع يخف تدريجيًا، الحزن بدأ يبهت بعد أن وصفته على الورق، وحينها ايقنت بأن الكتابة ستكون ملاذًا لي طوال عمري. اصبحت عندما احزن اتلهف للإمساك بقلمي لأكتب، والآن وبعد فترة كبيره قد امتلئت اوراقي بالأحزان عوضًا عني، تقاسمنا وجعي معًا لتصبح الكتابه هي رفيقي الوحيد، اعلم انها صداقه مؤسفه لأنها بُنيت علي الكآبه، لكن إن بحثت بين كُتب العصور الماضيه والحاليه، ستجد عبارات كثيره قد سَطر فيها الكُتاب اواجعهم. فنحن البشر ننسي تدوين اللحظات السعيده، أما التعاسة لا نسهي عنها أبدًا، لأن الأشياء المؤلمه تظل عالقه في رؤسنا للأبد … دومًا ما اتذكرعبارة بينديتي التي تنص علي "كل شئ علي ما يرام لدرجة انه لا يستحق ان أكتب عنه"







المهم في الأمر انني بعد ان تعاطيت الأدب، اصبحت اتساءل " كيف يقل الوجع بهذه السرعه حينما نصفه، ‏كيف يكون الوجع خفيفًا على قلبونا بعد ان نتقاسمه مع أي شيء ".

كنت أظن مسبقًا أن الأشخاص الكتومين مثلي خُلقوا ليموتو بسبب صمتهم. فالمشاعر الثائره الموجوده داخلهم كفيله بأن تقتلهم، لكن الغريب انني اعيش بسلام، وهكذا ادركت قيمة الفن.






الفن قد جاء لمن هم مثلي ومثلكم، فوسط متاعب الحياه، كان لابد من وجود منفذ يلوذ اليه الإنسان في ضيقه، كان علي الإنسانيه خلق طرق للتعبير عن الحزن ومن هُنا خلق الفن.. خُلق حينما كان الإنسان عاجزًا عن الوصف، اخُترع الفن، وبدأ الإنسان يمارس العادات للهرب من مأساة العجز عن التعبير.






مارس العالم الفن بطرقُ مختلفه، فمن الناس من لجئوا للكتابه كهوايه للتعبير عن مآسيهم وكانت حروفهم مولوده من رحم الوجع، ومنهم من لاج للرسم وبدأ يجُسد وجعه في وجوه لوحاته. منهم من استخدم الأحجار وأصباغ الأشجار كنوعًا من التعبير، ومنهم من فر نحو النحت واتخذه ملجأ له.

منهم من احب التصوير وتخليد ذكريات الماره، ومنهم من تغني بحزنه وجعل منه انشودةً.






أيضًا أنا علي علم بأن هنالك أُناس تعلم كيف تخرج من حزنها بطرق بسيطه كالبحث عن العِناق، والبكاء منتحبًا، كالجلوس مع صديق وارخاء رأسهم علي كتفه لينسو متاعب الحياه، كالصلاه والبكاء في السجود شاكين الي الله مما اتعبهم …. الحقيقه هُنالك طرق كثيرةللتعبير عن الحزن، فكما قلت وسأقول دائمًا " البشر يتفقون في الوجع، لكن كل منا يُعبر عنه بطريقة مختلفه "

لكنني لن استطيع انكار فضل الفن علي، فأنا والكثير مثلي لا يمر حزننا ببساطه، نحتاج لأشياء تساعدنا علي الخروج منه، وهو كان ملجئنا الوحيد.





ولذلك مفهوم الفن بالنسبة لي ارقي من أن يتم وصفه .. لأنه الحياه والمنفذ والطاقة المفقوده، لأنه الحزن والوجع، لأنه في الحقيقه نحن، فنحن قد خُلقنا من الفن وهو قد خلق من بقايانا التي اردنا إعادة ترميمها.




الفن قد ساعدنا علي البوح، وعلمنا كيف نخلق بيننا وبين انفسنا علاقة مبينه علي اللاشئ. علاقة لن يكون فيها ملل من كثرة مآسينا. علاقة تُنقذنا بدون وجود يد أو رساله. الفن قد جعلنا نعيش من جديد.




وخلاصة كل ما قد قولته سأختصره لكم في هذه العباره " إن كنتم تشعرون بوجود ثقب في أرواحكم. ان شعرتم بثقل شديد عليكم، حاولو ان تريحوا أنفسكم بطرق تحبونها، اخلقو لكم ملجأ لتهروبو فيه عندما يتعبكم العالم، فنحن قد خُلقنا في هذه الحياة لنحارب وننتصر، لذلك لا تجعلوا احزانكم تقتلكم.. اقتلوها انتم بأكثر الطرق مُتعة"



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أن تكون ندّاً.

تدوينات ذات صلة