رؤية أدبية لفيلم Dead poets' society، من كتابة توم شولمان وإخراج بيتر وير وبطولة روبن ويليامز.
مجتمع الشعراء الأموات، فيلم درامي أُصدر سنة 1989، ترشح لأربع جوائز أوسكار وحاصل على تقييم IMDb 8.1/10.
يدور الفيلم حول مُعلم اللغة الإنجليزية جون كيتينغ (الذي يقوم بدوره روبن ويليامز) في أكاديمية ويلتون، الذي يسعى أن يجعل طلابه ذوي فكر حر مستقل ومفكرين مبدعين في وسطٍ هو الأكثر صرامة على الإطلاق، ويتخذه الطلاب مصدر إلهام لهم. يناقش الفيلم عدة قضايا في صورة قصص لطلاب الأكاديمية الذين يعيشون حياتهم بين اتباع القوانين الصارمة للأكاديمية وسعيهم لتحقيق ما يُعِدُّه لهم آباؤهم، وبين آمالهم الشخصية وطموحاتهم الجريئة في مقتبل حياتهم. وعليه أرى الفيلم مناسبا للمشاهدة مهما تقادم بنا الزمن ومرّ عليه من وقت؛ فهذه الصراعات مهما حاولنا التخلص منها إلا أنها تلاحقنا رغما عنا.
يأتي هنا الأستاذ كيتينغ ليزيح هذا الكبت قليلا، مبينًا لهم أن عليهم أن يغتنموا اليوم ما داموا فيه؛ فلو أنهم تأملوا من سبقهم لما وجدوا إرثا أفضل من اليوم الذي يحيونه. ولإيمانه بأن الكلمات والأفكار تستطيع أن تغير العالم، حثهم لتمزيق ما لا يقتنعون به، وقد صور الكاتب هذا المبدأ خير تصوير في مشهد نزع صفحات مقدمة كتاب الشعر الإنجليزي؛ فنحن هنا لنفكر بأدمغتنا لا لنعتنق أدمغة الآخرين بما فيها، ولأن الحياة كالمسرحية، يمكنك دوما أن تشارك فيها بسطورك الخاصة ما دامت قيد التنفيذ.
بث فيهم الأستاذ كيتينغ عزيمة التفرد في وجه إغراء الانسجام مع القطيع؛ فمن الصعب أن تتمسك بمعتقداتك الغريبة أمام الأكثرية المعارضة؛ لحاجتنا للشعور بالقبول في الوسط الذي نعيش فيه، ولكن دائما لديك الخيار لتسير في طريقك الخاص مهما كانت أوصافه لأن هذا بعينه هو ما يقود للتميز.
كان صراع نيل بيري (يقوم بدوره روبرت شون لينارد) يتمحور بشكل أساسي حول أهله؛ فكأن أبوه يقول: لا تعارضني على الملأ ولا تعارضني بيني وبينك؛ فأنا لم أحقق أحلامي بنفسي وسأجعل منك آلة لتحقيق كل ما عجزت عن فعله، وسأجمِّل لك فعلتي بقولي إني أفعل كل ما أفعل حرصا عليك، ولكني في الحقيقة لا آبه أبدًا لما تشعر ولما تريد؛ لنلعبَ أدوارنا في مسرحية تستمر مدى الحياة لابن مطيع ووالد بار، وسنستمر في هذه المسرحية حتى أزهق روحك. بعدها سأبكيك قليلا، وسأتهم غيري بجنايتي بينما داخلي يرقص لأنني صنعت آلة لا تجيد سوى قول: أمرك أبي، ولم يأخذها مني سوى أنها أرادت أن تكون حرة ولم أسمح لها بذلك.
أما نوكس أوفرستريت (يقوم بدوره جوش تشارلز) فكان صراعه عن الحب. نجح المخرج في تشكيل المرة الأولى التي ترى فيها ذلك الشخص الذي يخطف أنفاسك، يتعلق به نظرك، تبرد أطرافك، وتُشل لفترة قصيرة، بعدها تعود للحركة بينما لا يزال عقلك مخدرًا من لقاء من ألقى القبض على روحك. تحاول قدر ما تحاول ولا تهتدي للخلاص سبيلا، ثم تقرر أن تستسلم، لتكتشف أنه أخيرا في استسلامك خلاصك.
تمثل الصراع مع النفس في شخصية توم أندرسون (يقوم بدوره إيثان هوك)؛ فقد تبدو منطقة الراحة خاصتك جميلة جدا، حتى أنك تسمح لنفسك أن تفوتك فرص تفوقها جمالا في سبيل الراحة التي توفرها لك، راكنًا للأمان الواهي. حتى يأتي شيء يحركك، شيء يفوق الجمال قوة، إنه السحر. يجذبك السحر خارجها ولا يتركك إلا وقد أدركت جمال كل ما قد فاتك لتقاعسك، حتى تدرك أن الحياة تكمن في المجازفة، في التفكير، في التعبير، في الحرية؛ ففي النهاية لا يمكنك أن تنطق الحرية دون أن تلفظ الحياة. الحرية حياة، فقط أحيانا نحتاج لمن يدفعنا إليها لننطلق.
في النهاية يؤكد الفيلم وجوب النظر للأمور بطرق مختلفة، ربما من نقطة أعلى أو أخرى أكثر انخفاضا. كلما شعرت بأنك على علم تام بشيء ما غير وقفتك، انظر من جديد، ابذل كل ما في وسعك لكي تشكل عقلا وصوتا لك وحدك. وبالطبع ليس من السهل تكسير القيود النمطية، وقد يعادونك فقط لأن عقلك يختلف، وقد يختل ثباتك حينها أمام تحجر مبادئهم، لا تبتئس؛ فيكفيك شرف المحاولة التي ستعود لها مرة أخرى بطريقة مختلفة.
أحيانا تحمل شعلة لتنير كهفا مظلما لغيرك، ويحدث أن يتجاسر أحدهم أكثر من اللازم ويودي بنفسه للاحتراق. فينقلب عليك الجميع قائلين إن شعلتك هي التي أحرقته، متناسين أنك من أخرجتهم من الظلام. ولكن، مهما تكالب عليك من تكالب سيبقى هناك من لاحظ النور بعد الظلام، وسيبقى ممتنا لك، حاملا شعلتك ما بقي فيه نَفَس.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات