أليس شيئاً جميلاً أن تكون كل مهمتي في الحياة أن أعطي الناس جرعات من السعادة، وأن تخترقني كل صباح أشعة الشمس وتستقر في أعماقي؟!
اليوم كنتُ اسأل أختي الأصغر:
ماذا لو لم أكن إنسانًا ماذا لو كنت زهرة؟!
أليس شيئاً جميلاً أن تكون كل مهمتي في الحياة أن أعطي الناس جرعات من السعادة، وأن تخترقني كل صباح أشعة الشمس وتستقر في أعماقي،
وتراقصني الريح كل مساء يمينًا ويسارًا وكل من يراني يبتسم بحب، وأنثر في الهواء رائحة طيبة جدًا كلما مر أحد بجواري يغمض عينيه ثم يقول "الله"،
لتجيبني هي بردها المعتاد الذي ينافي دومًا كلماتي الحالمة:
-وفي النهاية يا زهرة... ستذبلين وتموتين!!
..
وقضينا المساء أحاول أن أفسر لها أن النبات يشعر ويفهم وأنني أتحدث معه لذلك، وأتخيل في مرات كثيرة أنه يبتسم لي ويشعر بما أكنه ناحيته من حب..
وأنني احتضنت شجرة الياسمين التي لم يرعاها أحد في غيابي، لقد كانت حزينة جدًا..
فكانت تنظر إلى السماء تطلب العون،
لكنها لم تكن مصدومة كثيرًا من كلماتي لأن تاريخي حافل بهذه الأشياء الغريبة الأطوار..
مثلًا حين كنا نخرج معًا في الصباح كنت أقول لشجرة الرمان التي أحبها "صباح الخير يا رمانة" - ورمانة هي صديقتي المقربة في حديقة منزلنا-..
فكانت تزفر منفجرة من بالي الرائق على الصباح!
ولما كنا نمر على شارع النيل وأرى النيل في الصباح متلألأ بزرقته تحت أشعة الشمس الباكرة وتتدلل الأشجار من ضفتيه وتنعكس على مياهه، كنتُ وكأنني أرى جزء من الجنة
فكنت أتنهد وأقول.. "أيها النيل الحبيب، أحبك"
فكانت تمشي وتتركني وهي تنفجر فأضحك..
حسنًا أنا كنت أعد هذا هروبًا حالمًا قليلًا في الصباح الباكر قبل أن أندفع بداخل صومعة الحياة الواقعية..
ولكن الآن لا أعتبره هروبًا بقدر ما اكتشفت أن الطبيعة ملهمة لي وأن التأمل فيها يمنحني بعض السلام وبالتأكيد تجعلني سعيدة..
وحتى الآن في طريقي إلى العمل هناك جدول مياه صغير تحيطه الأشجار من كلا الجانبين، وهناك شجرة ضخمة تتدلل فروعها حتى تلامس مياه الجدول وكأنها تقبلة قبلة حالمة..
كل صباح وفي عودتي أعقد صلاة داخلية بقلبي ممتنة لله ولهم على هذا الجمال الذي يزيح عن قلبي إنهاك اليوم ويمنحني سعادة كبيرة في الصباح الباكر..
وربما في مرات كثيرة أقول همسًا دون أن يسمعني من معي:
"شكرًا لك أيها الجدول الصغير اللامع وأيتها الأشجار المذهلة"!
لوقت قريب جدًا كنتُ أعتقد أن تصرفاتي هذه وهذا الشعور العجيب ناحية الأشجار والزهور شعور غريب الأطوار وربما كنت أخفيه بداخلي عن الغرباء!
فلا أحد بالطبع سيعتقد أنني فتاة طبيعية إذا علم أنني احتضنت شجرة ياسمينتي حين شعرت أنها حزينة بغيابي، ولا أنني لدي صديقة مقربة اسمها "رمانة" وهي شجرة..!
ولا أنني أشكر جدول المياه كل صباح والنيل وأقبّل زهرات الياسمين!
حتى قرأت حكاية لما ذهب الرسول إلى جذع النخلة التي حنت إليه وبكت على فراق ما كانت تسمعه منه.. فأتاها الرسول بنفسه ووضع يده عليها وحضنها فسكنت..!
حينها كانت سعادتي الكبرى أنني لستُ غريبة الأطوار ولا مختلفة،
وشعوري بالحب العميق والرفق ليس به شائبة ناحية الزهور والأشجار وجداول المياه!
بل العالم هو الذي أصبح غريبًا.
وانفصال كل من حولي عن الطبيعة هو أقسى ما في هذا العصر الحالي..
الطبيعة جزء منًا ونحن جزء منها كلانا خُلقنا على هذه الأرض..
وسنستعيد جزء من إنسانيتنا وجزء كبير من سعادتنا وهدوئنا متى عدنا إلى هذه الطبيعة لنتأمل فيها، وحين نمنحها جزء ولو صغير من وقتنا، لأننا في النهاية نتأمل في شيء صنعته يد الله، ويد لا تصنع إلا كل ما هو جميل.
🌼🍂
🌼🍂
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات