لا أحدَ منّا يَسعى خَلفَ الوَهم ، لكنّنَا في حقيقةِ الأَمرِ نَعيشُه.
تُنَقِّلُ رَأْسَكَ هُنَا وَهُنَاكَ ، تَرْفَعُهُ قَلِيلاً ، تَرْجِعُ لِتُخْفضَهُ مَرَّةً أُخْرَى ، تَنْحَدِرُ اَلدُّمُوعُ بِانْسِيَابٍ عَلَى وَجْنَتَيْكَ ، دُمُوعٌ حَارة تَفُوق حَرَارَةَ أَحْزَانِكَ اَلْمَدْفُونَة مُنْذُ زَمَنٍ ، تَتَنَهَّدُ تَنْهِيدَةً دَبَّتْ اَلْحَيَاةُ بِعُرُوقِكَ مِنْ جَدِيدٍ ، تَتَوَقَّفُ فَجْأَةً لِتَبْحَثَ عَنْ شَيْءٍ مَا لَا تَعْلَمُ مَاهِيَّتَهُ ، يَنْتَابُكَ صُدَاعٌ شَدِيدٌ يُسْقِطُكَ أَرْضًا ، تُغْلِقُ عَيْنَيْكَ لِتَسْتَجْمِع قُوَاكَ ، وَلَكِنَّ ظَلَامًا دَامِسًا يَلُفّكَ رُوَيْدًا رُوَيْدًا ، تَجِدُ أَيادٍ تُطبطبُ عَلَيْكَ وَأَصْوَاتَ ضحْكَاتٍ تَعْلُو شَيْئًا فَشَيْئًا ، مَهْلاً ، أَيْنَ أَنْتَ ؟ مَنْ هَؤلاء ؟ ، فَجْأَة تَسْتَيْقِظُ عَلَى سَرِيرِ غُرْفَتك تَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُلماً ، تَنْظُرَُ لِلسَّقْفِ وَتَنَقُّلِ نَظَرك فِيهِ ، تَنْهَضُ بتثاقل، مَا زَالَتْ اَلْهَالَاتُ اَلسَّوْدَاءُ تَحُوطُ عَيْنَيْكَ وَمَازَالَتْ اَلْحُبُوبُ تَمْلَأُ بَشَرَتَكَ ، مَا زَالَ جِسْمُكَ يَتَضَاءَلُ وَشَعْرُكَ يَطُولُ وَضِحْكَتكَ تَصْفَرُّ ، تُكْمِلَ اَلطَّرِيقَ لِتَصِلَ إِلَى المَطْبَخِ لِتُعدَّ كُوبَاً مِنْ اَلْقَهْوَةِ ، قَهْوَةٌ ؟ ! ، وَمَا بِهَا هِيَ أَفْضَلُ خيَارٍ لِتُبْقِيَكَ مُسْتَيْقِظًا ، رُبَّمَا حَيَّا إِنْ صَحَّ اَلْقَوْلُ ، تُنْهِي كُلَّ مَهَامِّكَ اَلرُّوتِينِيَّةِ مِنْ طَعَامٍ وشرابٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَإِلَخْ . . بَاتَ اَلْآنَ أَمَامكَ عَقَبَةٌ كَبِيرَةٌ " اَلْخُرُوجِ " ، لِسَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ وَأَنْتَ كَارِهٌ لِلْخُرُوجِ ، تبغضُ اَلِاجْتِمَاعَ مَعَ اَلنَّاسِ عَلَى صَعِيدٍ واحدٍ ، تُسْتفزُّ مِنْ حِوَارَاتِهِمْ اَلتَّافِهَةِ ، يَا تُرَى هَلْ تَعْلَمُ كَيْفَ تَبْدَأُ حَدِيثًا مَعَ أَحَدِهِمْ ؟ أَوْ هَلْ تَسْتَطِيعُ إِكْمَالَ آخر؟ الحَيَاةُ لَمْ تَعُدْ كَمَا كَانَتْ يَا صَدِيقِي ، لَا أَمْلِكُ شَيْئًا لِأَهديك إِيَّاهُ فَما أَنَا سِوَى جَارك البائس اَلَّذِي لَمْ يَخْطُ عن عَتَبَة مَنْزِلِهِ مُنْذُ سَنَوَاتٍ عَجِزَ عَنْ عَدِّها ، أَهُوَ مَنْزِلٌ أم شَيْءٌ آخَر ؟ لَا تَشْغَل بَالَكَ كَثِيرًا ، هُوَ مَنْزِلٌ طَالَمَا يَحْوِي مَا يَكْرَهُهُ اَلْآخَرُونَ فِينَا ، صَحِيح أَنَا لَم أَرَك مُنْذُ قُرَابَةِ شَهْرٍ ، أَيْنَ أَنْتَ أودُّ زيارتك؟!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات