كيف تمكنت دولة قطر من توجيه صفعة قوية للغرب بقراراتها أثناء المونديال؛ مما جعل الأوروبيين يتصرفون كما المجرمين والخارجين عن القانون.

ماذا عن قومٍ يظنون أنهم يحترمون الحضارات، ويعطون دروسًا في كيفية تقبل الثقافات وضرورة احترامها، ينشؤون مؤسسات جديدة كل يوم ليهاجموا غيرهم؛ لأنهم -في نظرهم أقوام متخلفة، لكنهم فجأة يكتشفون شيئًا هامًا قد نسوه طوال حياتهم، وهو أنهم مُلزَمين باحترام ثقافات وحضارات غيرهم المختلفة عنهم أيضًا وليس فقط المتوافقة معهم!


هذا ما حدث خلال فترة كأس العالم في قطر، فجأة تعرض المجتمع الغربي لصدمة حضارية، وتفاجأوا بأن هناك ثقافات أخرى غير ثقافاتهم، وقوانين أخرى غير قوانينهم، وعادات أخرى مخالفة لعاداتهم.


رأوا قومًا لا يهمه إرضائهم بقدر ما يهمه الحفاظ على دينه قدر المستطاع، لكنه في الوقت نفسه مجتمع متطور وليس مجرد رمال من الصحراء وجِمال للترحال، اكتشف أنه تغيّر كثيرًا ومع ذلك لم ينسَ أصله؛ فعبّر عنه -دون خجل- في حفل الافتتاح الذي شاهده مئات الملايين حول العالم.


أكثر من كونها بطولة رياضية


كان المونديال في النسخ السابقة مجرد بطولة رياضية تُقام كل 4 أعوام، يتنافس فيها 32 فريقًا ويفوز أحدهم في النهاية دون أن يتذكر أحد ما حدث خلال تلك الفترة من أحداث خارج الملعب، حتى أخذت البطولة مسارًا آخر في هذه النسخة.


البداية من تحدي قادة عدد من المنتخبات الأوروبية تقاليد وقوانين كرة القدم، وأعلنوا رفعهم شارات دعم المثلية الجنسية على أرض عربية ومسلمة، على الرغم من كون الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» يحظر خلط الرياضة بأي شيء خارجها، لكنني أنا وأنت والجميع يعلمون أن هذه قوانين وُضعت للعرب والمسلمين فقط، لكنهم يستمرون في وهمنا بأنها قوانين للجميع.


ولعل تصريحات قادة بعض المنتخبات الأوروبية بشأن دعم المثلية الجنسية كانت بمثابة استفزاز لدولة قطر؛ لترد عليهم بـ10 أضعاف فعلهم، لطالما قررت أنت الانحراف عن مسار الرياضة بأعلام قوس قزح، سنريك نحن أيضًا كيف نلوّن الرياضة بثقافتنا، لكنها ألوان طهورة وليس كألوانكم التي تريدونها، ولكن لأنك في أرضنا، فسنتحكم نحن بتفاصيل اللعبة كلها.


اتخذت قطر عددًا من القرارات التي تفرض بها سيطرتها على الأحداث ومنها: أحاديث نبوية شريفة منتشرة في أركان البلاد، حظر تناول الكحوليات في الملاعب، منع دخول أي علامة تدل على دعم المثليين، منع دخول المشجعين البريطانيين بأعلام الحملة الصليبية إلى الملاعب، وأخيرًا دعوة أغلب رؤساء العرب ليجلسوا في الصف الأمامي في حفل الافتتاح؛ لأنهم أهم من كل الضيوف الآخرين، هم أصحاب البيت.


الفرصة لن تتكرر..


يعلم الجميع أن فرصة إقامة بطولة كأس العالم في الشرق الأوسط مرة أخرى قد تكون بالغة الصعوبة في هذه الفترة على الأقل، وأن قطر حصلت على تنظيم هذه النسخة من خلال طريق صعب.


وفي اعتقادي الشخصي، كان القرار الحكومي في قطر أنه طالما حصلنا على هذه الفرصة فيجب علينا ألا نضيعها أبدًا، يجب أن نضع الغرب أمام الأمر الواقع وننشر ثقافتنا التي يتعمدون تجاهلها مرارًا وتكرارًا.


يجب ألا نعتبر الأمر مجرد استضافة بطولة لن يفوز فيها العرب على أرض الملعب، لكننا يمكننا الفوز في مواضع أخرى، يكفينا أن يعرف الغرب أن للعرب صوتًا مختلفًا عنهم، ويرفض أن يتم تهميشه، فحضارتنا قديمة، وفي ثقافة العرب احترام الكبير واجب.


أصابت قطر غرور الغرب في مقتل، أخبرتهم بأن ثقافاتنا لا بُد أن يتم احترامها، وديننا هو الذي يحكم في أراضينا، وأننا أصحاب الدار وأنتم ضيوف فلا تنجسوا أرضنا.


الكبرياء الغربي تحوّل إلى غرور


لو أن الغرب غضوا الطرف عن قرارات قطر لكانت صورتهم الآن أفضل، كنا سنقول في هذا المقال أنهم بالفعل يحترمون الآخرين، لكن الكبرياء الأوروبي لم يستسلم، فتحول إلى التصرف بطريقة الهاربين والخارجين عن القوانين، وهم يتعجبون من أنه كيف تجرؤ دولة صغيرة في أرض العرب أن تجبرهم على فعل شيء وتضع لهم الحدود، والتي اعتادوا هم على رسمها لنا، وكأنهم النموذج الأوحد لكل شيء في العالم.


تحايل قائد المنتخب الألماني نوير على النظام وارتدى حذاءً عليه شعار المثليين، أما نظيره الإنجليزي هاري كين فارتدى ساعة يد عليها نفس الشعار، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حتى وزيرة الداخلية الألمانية -برغم أن دور منصبها الإشراف على حفظ النظام العام في بلدها- ارتدت الشارة أسفل سترة؛ حتى لا يكتشفها الأمن ثم خلعتها داخل الاستاد، لتخرج هي أيضًا على القانون برغم أنها تعاقب مواطني بلدها إن سلكوا مسلكها وخالفوا القواعد في مجتمعهم.


ليثبت المواطن الأوروبي أن مجتمعه غير نظامي، لا يلتزم بالقوانين، مزدوج المعايير حسب رغبته، ويخرق النظم والقواعد على الرغم من أنه كان يوهمنا بأن ذلك من تصرفات مجتمعاتنا المتخلفة -في نظره.


اتجه الغرب إلى تصرفات المجرمين والمهربين بدلًا من التصرف برجولة، والدفاع عن أفكاره مهما كلّف الأمر، برغم أن التكلفة كانت مجرد إنذار في بداية المباراة، مجرد ثمن رخيص بالنسبة لما دفعه مسعود أوزيل -الأوروبي أيضًا- مقابل دفاعه عن مسلمي الإيغور، لكنه كان شجاعًا أكثر منهم؛ كان رجلًا وهذه مواقف الرجال، والمفارقة أن نفس المجتمع الألماني الذي رفع فريقه الوطني علامة تكميم الأفواه تعقيبًا على قرارات قطر، هو نفسه من حرم أوزيل من التعبير عن رأيه.


انتصرنا مهما كانت النهاية!


يقولون دائمًا أن من يضحك أخيرًا يضحك كثيرًا، لكن في هذه الحالة المعادلة مختلفة تمامًا.


يحاول الغرب استخدام قوته السياسية لإجبار قطر على تقبّل فكرة رفع أعلام المثلية في الملاعب، قد ينجحون، لكنه -لو حدث- سيبقى نجاحًا صوريًا، كمن كفر بالله لأنه يتعرض للتعذيب، فيغفر الله له كفره -الذي أُجبر عليه- ويحتقر الجميع من عذبه وأجبره على ذلك الفعل.


الانتصار يكون حينما تهزم الطرف الآخر دون استخدام وسائل ضغط خارجية عن قوانين اللعبة، يستخدم الغرب قوته السياسية، لكنه سيأتي يومًا ما ونحكم نحن -العرب- بأفكارنا في أرضنا، لكن على كل حالٍ انتصرنا عليهم أمام العالم كله وهم أنفسهم يدركون ذلك حتى لو لم يعترفوا.


تلقى المجتمع الأوروبي صفعة عربية لن ينساها، لكنه بالطبع لن يتغير بعدها؛ لأنهم قومًا يرضعون الغرور منذ صغرهم، لا يتعلمون من أخطائهم، لكنهم سيصبحون مغفلين إن ظنوا أنها الأخيرة، وسنعلمهم قواعد ثقافتنا في محافل دولية أخرى، لكن حينما تحين الفرصة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف خواطر

تدوينات ذات صلة