مقال وصفي يسرد موقفًا إنسانيًا بأرفع تفاصيله .. أرجو لكم قراءة ماتعة
كشَيْبةِ أحدهم من فزع اليوم الأكبر استفاقَ شابٌ من نومٍ زعِمَ بعد حادثته أنه فيه غَطّ واُغتيلَ بينا هو يبلغ حد القاع من عمقِه.. هو الآن يرتطم بالحائط الذي فى واجهة “سريره” إذ قام فركضَ قبل أن يستفيق مخُّه لتحديد جهةٍ دون غيرها .. قد أجهز على سكون روحه صرخةُ أبيه فوق سطح بيته وحيد “الدور” .. كانت صيحةُ الأب تبتل لها حوائطُ “الدارِ” دمعًا بل فزعًا على استغاثة ذاك الرجل رأسُ البيت- الذي لم ينل من دنياه سوى حفنة من هموم ونحوس تعيها أفئدةُ الجدران وعي بني الإنسان. “هاتي البخاخ يا بت يا ..فلانة..” .. صرخَ أبوهم بعدما كان يحمل شيئًا من “الخزين” الذى يجتاز بصيفهم إلى الشتاء والعكس وكان إبوه ولم يزل _ يحمل الكَلّ ويعين على نوائب الدهر بل يحملها عن ابنه وحدهُ وعن سائر آل البيت
هنا استفاق عقل ابنه وكُلّه وحاضره وغائبه واستحشد طاقة العُمر ليغيثَ أباه .. ركض إلى كُل جُحرٍ شبالبيت ورُكن حتى اصطدم بكل من كان يهرع فى البيت خوفا على حياةِ البيت .. ارتطم غير مرة بحائط “الكتف” بالبيت وانزلق على أرضية الصالة المُسَرمكة القاسي مَلْسُها
وكادت روح المغيث تفيضُ قبل بلوغه أبيه الملهوف فوق السطح الخشبي .. صعدَ السلم الخشبي العشوائي فى سرعة النازل منه فإذا هو يسمع أنفاس أبيه “المكروشة” ويرى يديْه اللتان خُلقتا من حنان ترتعش لضيق الأنفاس والابنُ يكتم نَفَسَ نفْسِه بيدِه تحريمًا أن ينتفخَ صدره بنسيم الدنيا وفى حاجةٍ لزفرة هواءٍ أبوه
وزاد خنقته وأهمى عَبرته أنّ أباه لم يكن على لسانه سوى تمتمة “ما تجريش يابنى ! على مهلك!” فى حنوّ يعِز على أهل الجنة أن ينالوا دِفئًا شبيها..
هنا انهارت كُل دواخل الصبيّ وأعطى أباه “بخّاخ استنشاق الأوكسجين” ونزل مسرعًا أن يراه والدُه وهو متكوّمٌ فوق عجزِ نفسه دامِعًا لا يرجو أملاً من الدنيا سوى أن يبدّل الله أنفاسه بأنفاسِ أبيه فتختنق رِئتاه لتتسع اللتان بين ضلوع أبيه
.. غير أنه الآن يجلسُ منكبًّا فوق قبر أبيه .. لا يشغله الكَمَدُ على فراقه قدر ما ينشغل بأن يلهجُ بحمدِ الله أن مَنّ عليه بجنّة الدنيا وهو أنّ ذاك الأبُ كان أباه من اختيار الله بل من حُب الله له ولأخوته وداعيًا آملاً خاضعًا باكيًا راجيًا اللهَ أن ينعم عليه بجنةِ الأخُرى .. لقاءِ أبيه
.
.
.
.
وردت آخرُ كلمة “أبٍ” مكسورة مجرورة فى الحكاية لأنها حقًا هكذا .. معنى مكسور فى حياته إلى أن يلقاه الله بأبيه يوم القيامة فيأتي “الأبُ” مبتدءًا جديدا في حياته الآخرة فيرفع الابنُ رأسه منصوبًا مفاخِرًا أن ضمّ أخيرًا أباه
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات