دمج الشركات للحصول على حصص أكبر في الأسواق المحلية والعالمية − منظمة العمل: زيادة في موظفي الشركات المندمجة بنسبة 25% −

أهدف من وراء مقالاتي عن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والتجارة الالكترونية والعولمة والاندماج بين الشركات والبنوك إلى فتح منافذ لأفكارنا على أفاق جديدة أرحب وأوسع، والتخلي عن الأفكار التقليدية التي لم تعد تصلح للوقت الراهن، فضلا عن المستقبل الذي تتغير فيه خريطة واقعنا جملة وتفصيلا، وفي نفس الوقت الدعوة إلى وضع خطط وبناء استراتيجيات حديثة تكون قد استشرفت المستقبل بوعي وبناء على إحصائيات دقيقة وتحليلات رصينة .

ولأدخل في الموضوع مباشرة عن الاندماج والاستحواذ، وهما مصطلحان أخذا يترددان كثيرا هذه الأيام، ويتم تطبيقهما عمليا في دول العالم المتقدم منذ نهاية القرن الماضي، من أجل الحفاظ على الصدارة في دنيا المال والأعمال، والإبقاء على بنوكهم ومصارفهم قوية، والابتعاد بها عن سياسة الإشباع في العدد والكم دون الكيف، فالواقع الذي نراه في المشهد العام أن الدمج يطال كل شيء، حتى بين الوزارات، حيث ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن كثرة الوزارات تصيب الجهاز الإداري للدولة بالترهل، ولنا أن تصور أن عدد الوزارات في الولايات المتحدة الأمريكية التي يبلغ حجم اقتصادها 16 تريليون دولار (أكبر اقتصاد) هو 14 وزيرا فقط، ويبلغ عدد الوزراء في اليابان التي يبلغ حجم اقتصادها 6 تريليون دولار (ثالث اقتصاد) 14 وزيرا أيضاً، وينص دستورهم على أن أقصى عدد للوزراء هو 17 وزيرا، بينما نجد في بعض دول الشرق الأوسط أن عدد الوزارات فيها ضعف ما هو مطلوب مما تسبب في الازدواجية والترهل، على الرغم من أن اقتصادها لا يتجاوز ربع تريليون دولار، وأكدت دراسات عديدة أنه كلما أصبح عدد الوزراء أقل كان أداء الحكومة أفضل على مؤشرات الأداء والحوكمة .

في دنيا التجارة والصناعة والتوزيع والتسويق نجد الآنشركات كثيرة اضطرت أن تندمج مع شركات أخرى بل وسمحت لها بالاستحواذ عليها، لأنها رأت عدم قدرتها على المنافسة في سوق التجارة الالكترونية والتجارة التقليدية عموما، مع أن هذا النوع من الاندماج جاء ضد رغبة مجالس إدارات الشركة المستهدفة للاندماج ولكن المصلحة العامة تعلو على المصلحة الخاصة، وهذا يحدث عندما تسيطر شركة قوية وناجحة في السوق على شركة ضعيفة أو متعثرة، فتغير إدارتها الضعيفة بأخرى قوية تدير الشركة بصورة أفضل، ويسمى هذا النوع بالاستحواذ Acquision ، وهناك شركات كبرى اختارت بمحض إرادتها أن تندمج، ويتم تطابق الإرادة والتفاهم المشترك بين مجالس إدارات هذه الشركات المندمجة بهدف تحقيق مصلحة مشتركة وهذا يسمى الاندماج الودي friendly .

لكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة، ما الأطراف المستفيدة والأخرى الخاسرة بسبب عمليات الدمج أو الاستحواذ هذه ؟ .


الجواب على هذا السؤال جاء في تقارير محللين من ذوي الخبرة والكفاء أكدوا مبدئيا أن الدمج يعود بإيجابيات كثيرة على الأطراف كافة، وخاصة العملاء والمساهمين، وبالنسبة للموظفين فالذين لم يكونوا متسلحين منهم بالمهارات الحديثة في مجالات تخصصهم سيكونون خارج الكيان الجديد، ويتم استبدالهم بآخرين يتمتعون بالمهارات الفائقة، وقولا واحدا سوف يخسر البعض وظائفهم نتيجة إزالة الازدواجية، وينسحب الأمر على أعضاء مجلس الإدارة في الشركات الضعيفة التي اندمجت مع قوية، ولن يبقى إلا من تثبت حاجة الشركة لخبراته .


الدمج أصبح سياسة ممنهجة تنشغل به دول العالم المتقدم الآن، ولم تثنيها عن شغلها الشاغل هذا جائحة كورونا، فالتطور في التواصل عمل على تجسير الفجوات بين الثقافات والحضارات، والتقدم الهائل في وسائل النقل والمواصلات والاتصالات أسفر عن تقريب المسافات الطويلة بين أركان هذا العالم، فانفتحت الدول وأسواق العالم على بعضها البعض، فحتى تشتري سلعة من دولة ما لم يعد من الضروري أن تتجشم عناء السفر إليها، بل يكفي وأنت جالس في بيتت أن تكتب " الأوردر " على موقع الشركة لتأتيك السلعة في غضون أسبوع وأنت جالس في بيتك أيضا.

هذا الحاصل دفع العديد من المؤسسات إلى هذا الاندماج الذي تحدثنا عنه فأنتجت كيانات أكبر، ولم يقتصر الاندماج على المؤسسات العاملة في مجالات التجارة والمال والأعمال والبنوك، ولكنه امتد كذلك إلى مجالات أخرى كثيرة كالرياضة حيث اندمجت أندية كبرى، ولنا في قطر مثال حي على ذلك، في عام 2017 صدر قرار بدمج نادي لخويا مع نادي الجيش ، وتحوّلا إلى فريق واحد تحت مسمّى الدحيل نسبة إلى المنطقة التي ينتميان لها، وامتد الدمج لمؤسسات تعمل في المجالات الإنسانية، ففي كندا على سبيل المثال تم دمج دار لرعاية المسنين مع دار للأيتام فكانت النتيجة أفضل كثيرا من المتوقع، إذ أصبح لكبار السن أحفاد فلم يعودوا يشعرون بالوحدة، وأصبح للأيتام أجداد فلم يعودوا يشعرون بالحرمان .

أتمنى أن أكون قد وفيت الموضوع حقه وسنواصل الكتابة في هذا الاتجاه انسجاما مع المتغيرات العالمية التي تفرض تنمية بشرية ووضع خطط وبناء استراتيجيات نوعية والله الموفق .



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د.بثينة حسن الأنصاري

تدوينات ذات صلة