ما عاشه العالم خلال عشرين.. عشرين هو حكاية من الزمن مرةٌ غير مستساغة ومع هذا لا تخلوا من بصيص أمل.
إنها أواخر عام الفين وتسعة عشر، ليالي ديسمبر الباردة، السحبُ تملأ السماء، الليلُ طويل والشمسُ تستعجلُ الرحيل، كل شيء رغم البرد يُشعرك بالدفئ، كلُ القلوب بالحُلم تكبُر، تتهيء الأحلامُ لعام جديد يمحوا قسوة أيام مضت ويسطرُ ذكريات أيام لن تعود، الأملُ يكبُر والغد بأذن الله سيكون أجمل بكثير
كوبُ القهوة الدافئ، رائحةُ الأرض التي عطرها المطر، لؤلؤ السماء الذي يتساقط ليجُبّ خيبات كست القلوب ويختلط بدموع تأملُ بأن يُحدث الله فيما هو قادم خيرآ،، تباشيرُ عام جديد تبتهلُ القلوبُ ليكون عام يحملُ من الخير الكثير...
ولكن لا تجري الرياحُ بما تشتهي السفنُ، ديسمبر الذي يوشكُ على الرحيل يحملُ في آخر أيام له مفاجأة ستغيرُ مسار العالم، وسترسمُ للزمن طريق ما اخترناه وما ظنن أن نلقاه، مفاجأة ستكشفُ المستور وتوقعُ الأقنعة وتكشف تراهات قيلت ما أنزل الله بها من سلطان ،أيامٌ ستكون مرة، أيامٌ لن تكون للقلب فرحة، أيامٌ ستؤجل بها الأحلامُ لأجل لا يعلمهُ إلا الله، أيامٌ ستكون ثقيلة تُنهكُنا وتسلبُ حياة لطالما تذمرنا من روتينها وتمنينى أن تنطوي وما علمنا أن تلك الأيامُ لن تكون إلا عُمرنا، ولن تُصنف إلا على أنها ذكريات ستكون على أقل تقدير أفضل مما ينتظرنا، هذا حالنا نحن بنوا الإنسان؛ أطفالاً نكون نستعجلُ أن نكبُر، نحلمُ بالمستقبل ونحاول أن نعيش العُمر قبل أوانه وحين نصل لنقطة المنتصف منه نقف لنبحث عن طفولة أضعناها، وعن حُلم ما كان إلا تجربة لن تكون سهلة ولا مستساغة جداً، ولكن لا مجال للعودة فالأيام ما إن تنقضي لا تعود والعمرُ الذي نستعجلُ مروره قد يكون أجمل سنون هذا العُمر....
إنها أولُ أيام يناير لعام عشرين... عشرين
بدأت اول نوبات العام الجديد فبين ناس تحتفلُ بعام أتى وآخر انقضى وأُناس تهلكُ تحت وطأة وباء يفتكُ بالصغير والكبير، وباء فرق الإبن عن أبيه والأخ عن ذويه والناس عن بعضها وكأن الإقتراب إنذارُ خطر سيودي بحياة الجميع، في ووهان في بلد يقعُ في النصف الشرقي من الكرة الأرضية يُصارعُ الناسُ لأجل البقاء وتتباعدُ الأجسادُ خوف الهلاك، يعزلُ البشر ويدفنون أحياء وأموات؛ أحياءٌ يقطنون المنازل ويخشون لحظة الهلاك، وأمواتٌ يدفنون أو حتى يُحرقون دون أي مراسم للوداع ودون النظرة الأخيرة لعزيز لن يرى نور الحياة، فهل لك أن تتخيل مرارة بداية هذا العام؟!...
يناير كان شرارة البداية وفبراير سيكونُ موقدا يُشعلُ من بعده العالم لنصبح جميعأ تحت وطأة الخطر وبين براثين بركان سيثورُ في أي لحظة فلا يُبقي ولا يذر...
مع بداية فبراير لعام عشرين... عشرين
أصبح كوفيد _19 الحديث رقم واحد في العالم، السياسيون يتنبأون بما سيكون عليه حال العالم إن انتشر هذا الوباء، منظماتُ الصحة تستعدُ لأي طارئ وتحذرُ من ويلات هذا الوباء إن هو انتشر، الإقتصاديين يحذرون من كارثة إقتصادية وأزمة لن تكون بالعادية إن انتشر وباء كوفيد _19، الوزارات والحكومات تنبهُ المواطنين لأخذ الحيطة والحذر، الدول تستعدُ بأقصى إمكانيات تملكها للحد من خطر انتشار كوفيد_19، الدولُ تطلبُ من رعاياها بعدم السفر حيث الوباء ينتشر، جميع الرحلات إلى الصين توقفت، كل التعليمات تقتضي أن نكون أشد وعي حتى نتجنب وبال هذا الوباء ولكن وبقدرة الله، وبتخطيط لا نعلمُ أي عقول خلفهُ وأي أدمغة صاغته الوباء انتشر ليصبح العالمُ كله تحت وطأة ورعب كوفيد _19، إننا على أبواب شهر مارس فها هي السحبُ تنقشع والليل يقُصر والشمسُ مشرقة والدفء بدأ ينتشر والربيعُ يطرق الأبواب لتُفتح له...
مارس لعام عشرين... عشرين
من أخذ الحيطة والحذر، ومن الدعاء والإبتهال ألا الله يصل إلينا خطرُ كوفيد - 19 إلى مرحلة ضرورة مواجهة الأمر الواقع، إذ بدأت تظهرُ أعراضُ المرض على شعوب أخرى فمن بعد ووهان لندن وروما موسكو وواشنطن ومنهم لكل شعوب الكوكب الأزرق، الوباء بات حقيقة ملموسة ولا بد من بدء إجراءات أقوى للسلامة، يُعلنُ الحظر الشامل؛ تُغلقُ المدارس والمحلات، تتوقف كافة الصناعة والتجارة، يلزمُ الجميعُ منازلهم، يُعاقب كل من يخرجُ من منزله لغير ضرورة قصوى بمقتضاها حياةٌ أو موت، وعودٌ بأنها فترةٌ لن تطول ووقتٌ مؤقت لنخرج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، غُلقت المساجدُ والكنائس ، توقفت رحلات الطيران، منعت الإجتماعات والمناسبات، ولزم الجميع بيته خوف من أن يكون في تعداد المصابين الذي تصرح فيه الحكومات في كل البلاد، وبين مصدق ومكذب لما يسمى كوفيد - 19 يلتزمُ الجميع بالقانون وتصبحُ البيوتُ التي من فرط الهدوء فيها قبل شهر أو اثنين مكان صاخب تعمهُ الضوضاء، ومع اختلاف وجهات النظر والتحليلات التي يقتضيها الوضع يطلُ أبريل بدفئه ليعلن فصل اخر من فصول الحكاية...
أبريل لعام عشرين... عشرين
لم نتجاوز بعد ثلث عام 2020، لكن العالمُ لا يتوقف والحوادث وإن قلت لم تُعدم فبعيداً عن كوفيد-19 ا الذي يصنفُ على أنه الحدث الأبرز هذا العام، والشغل الشاغل لجميع دول العالم، خاصة بعد أن أصاب أكثر من مليوني شخص وقتل أكثر من 130 ألف آخرين، شهد العالم كوارث أخرى إذ لم تنحوا الأرض من الحرائق التي اندلعت في مناطق متفرقة من العالم الذي بات فعلا غريب، إذ شهد العالم العديد من التظاهرات والتوترات بين الدول كادت تؤدي إلى اندلاع حروب وكوارث طبيعية، وكأننا نحنُ البشرُ لا نتعظ، فبدل أن نتعلم من مصائبنا تجدنا نبتكر مصائب أخرى نوقعُ بها أنفسنا، ماذا نفعل إنهم البشر أسوأ مخلوقات هذا الكوكب الذي لم ينجوا منهم، يحملُ أبريل أمتعته ليستعد للرحيل مودع، تاركا لنا نحن البشر أنفسنا لعلنا نفلحُ في كفح جماحها، ودرء أخطارها ومصائبها...
ماي لعام عشرين... عشرين
ما زال العالم يكافح ليخرج بأقل ضرر من كوفيد - 19 ومن كوارثه التي لا تنتهي، اعداد المصابين تتزايد، الكثيرون ينامون فلا تشرق شمسهم، يودع الكثير من الناس أحبائهم، الوضع غير مستقر، الأحداثُ تتوتر، دائرة الوباء تتسعُ أكثر، وقلةُ الحيلة تسيطرُ على الوضع، ما زال التباعد سيد الموقف وأساسه، ما زال الحبُ يقتضي التباعد عن من تحب، ما زالت الحياة مقتصرة على جدران البيت، مللنا البيت، اشتقنا للمدارس وأصوات الطلاب كل صباح، اشتقنا للصلاة جماعة، تبتهلُ قلوبنا لخالقها بأن نرى من اشتاقت لهم أفئدتنا، نشتاقُ الفرح ليدق طبوله في منازلنا، اشتقنا الحياة التي لطالما تنكرنا لها وعددناها عادة اعتدناها وألفناها حتى مللناها فملت منّا، ومع قلة الحيلة ينطوي شهرٌ اخر ينبأ بشهر قادم لا يعلمُ خباياه إلا الله، نستقبلُ يونيو وكلنا رجاء الا ينقضي شهرُ الصيام إلا ويكون العيد اثنين عيدٌ بعد فرحة الصيام وعيدٌ نسترجع فيه الحياة، وليس لنا إلا الأمل والثقة بالله...
يونيو لعام عشرين... عشرين
نحنُ البشر أخطرُ من أي وباء، قلوبنا السوداء تلوثُ كل شيء، عنصريتنا تسلبُ ابسط حق، بدائيتنا رغم تطورنا المزيف تودي بنا حيثُ لا عودة ولا خيط أمل نتبعه فنهتدي به، في بلاد الحرية تُستباحُ الحريات، وفي بلد الديمقراطية تتساقطُ الأقنعة ويبان للعالم زيفُ الشعارات، هناك حيث يقعُ تمثالُ الحرية قُتل بطريقة لا إنسانية مواطن ينتمي لتلك الأرض يحمل هويتها وله حقوقها أو بعضٌ منها؛ فهو ذو لون عن الآخرين يختلف، وهذا كان ذنبهُ الذي به قُتل ولأن الضمير وإن مات لدى الكثيرين إلا أنه ما زال عند البعض حيٌ يُرزق خرج للشارع الكثيرين ممن يحملون ضمير حي لا يريدون الا حق إنسان أستبيح حقه ظلم، ولكن في دولة لا قيمة لحياة الإنسان إن اختلف لونه او عرقه او جنسه أو دينه تُبادُ كل الإختجاجات بالقوة، ويصمتُ العالمُ من جديد وما الحديد فهو الذي لطالما صمت أمام قهر الكثيرين وظلمهم، ومع اشتداد وباء كوفيد - 19 وسقوط قناع الحرية المزيف يرحلُ يونيو مودع لنستقبل يوليو لعله يحمل بعض الأمل...
يوليو لعام عشرين... عشرين
وباء ينتشر، وحروبٍ تستمر وما زال الإنسان يهددُ وجود نفسه، لا علاج ولا دواء لا للوباء الذي يفتكُ بألالف بل الملايين ولا لجشع الإنسان وطمعه ونفسهُ التي تهوى الكوارث والمعاصي والمصائب، في بقعة بالشرق الأوسط الذي ينزف يحتفلُ أحد أقذر من شهدهم هذا الكوكب بانتصاره على الشرعية، بل يؤكدُ أن النصر كان هبة الله له ولمن أيده وندم، يحتفلُ الظالمُ بانتصاره ولا يعلمُ أن الله يمهل ولكن لا يهمل، يوليو ليس اختلافا عما سبقه من عشرين عشرين يوليو استمراريةٌ لمهزلة بشرية مقنعةٌ بقناع الإنسانية، وككل الذي انقضى من عشرين عشرين ينقضي يوليو ويبدأ أغسطس...
أغسطس لعام عشرين... عشرين
للحكاية فصولٌ لك تنتهي، لم ينتهي الظلم ولكن خبت صوت المظلوم
لم ينتهي الوباء ولكن أصبح لزاما أن نستعيد شيئ من الحياة، كيف
لا الإقتصاد في الدول النامية وحتى الَتقدمة ينهار ومؤشراته متدنية بشكل يخافه أصحاب الكراسي والقرار فجيوبهم تخاف الفقر رغم الإمتلاء
بدأت الحياة شيئا فشيء ولكن حياة لا تشبه ما اعتدنا عليه ولكن نقبلُ القليل لعلنا نُبشر بالكثير، ولأن القصة تتكرر لننهي أغسطس ونبدأ سبتمبر مرحبين...
سبتمبر لعام عشرين.. عشرين
الوضع يسوء ولا جديد، كوفيد بات سلاح يستخدم ليبيد الشعوب ويزرع فيهم الخوف ويعزز لديهم الصمت والخنوع والقبول، لا جديد فالوضع يسوء ولا كاشف للغم الذي نعيشه الا خالق هذا الكون العظيم، سبتمبر يرحل وقد ترك في القلوب غصة وحنين، غصة على حال قد يطول وحنين لنعم لم نكن نقدرها حق قدرها...
أكتوبر لعام عشرين... عشرين
رأس العالم مصابٌ بالوباء لكن لا داعي للخوف فسيادته يخضع لأفضل سبل الرعاية الصحية والعلاج، العالمُ ينهار والموقف حرج والوضع لا يبشر، الناس ملت الإنتظار والوعود، لم يعد كوفيد-19 هو الكابوس فما يعيشه العالم من قلة فرص. وضياع للحقوق وانعدام للإنسانية خطرٌ أكبر يهدد وجودنا واحلامنا وحتى استمراريتنا، الحروب لا تزالُ قائمة،والمآاسي مستمرة والغمةُ لا تزول والفرج لم يأتي، ووحدهُ الله يعلم متى يحين وقت الحصاد ومتى يأتي العالمُ الذي فيه يُغاثُ الناسُ بعد سنون عجاف عاشها، أكتوبر ما زال في بدايته والقادمُ منه في علم الله وحده ولا نقولُ الا أن يكون ما تبقى منه يحملُ الفرج، فقد اشتاقت للفرح قلوبنا والأحلام المحققة حياتنا...
عشرين... عشرين
توشكُ على الإنتهاء، ويُقال العبرةُ في الخواتيم، من يدري لعل النهاية تكون أجمل وتُختمُ الحكاية في آخر فصولها ببهجة، يقف الجمهور من بعدها فرحا يصفق بوجه تعلوهُ ابتسامة تُقاوم المرارة وتتحدى اليأس لتفتح للحياة باب الأمل.الذي طال انغلاقه
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات