الإصلاح الأخلاقي، والاستثمار في إعادة هيكلة الفرد والمجتمع، لابد أن يسبق أي إصلاح سواء أكان اقتصادي أو سياسي!

الإصلاح الأخلاقي ليس مجرد أمر ثانوي في منظومة الإصلاح.. بل هو النواة التي إذا تم تجاهل حالتها الصحية كما هو الحال الآن؛ فإن كل عمليات الإصلاح الاجتماعية سواء اقتصادية أو سياسية أو ثقافية مآلها أن تفشل في مراحلها المبكرة.. فالجذور إذا فسدت لم ينفع مع ذلك أي علاج للساق والأفرع ولا يمكن أن تنتج شجرة كهذه أي ثمر..

تهمل الإدارات الحاكمة سلوك الأفراد الاجتماعي عن عمد أو جهل وتصب كل مواردها في عمليات إصلاح شكلية تنفق فيها المليارات مع وعود أن تثمر هذه المشاريع في أجل قريب رخاء اقتصادي للبلاد يحسن الدخول وينعش الحركة الاجتماعية.. وهذا مستحيل لكل عاقل يدرك أن العلاج لابد أن يكون في القواعد والأسس.. وأن البناء ما أوشك على الانهيار إلا لأن الأساسات تآكلت.. وكل ترميم للواجهات والحوائط الداخلية هو حماقة وإهدار للمال.

الغلاء مؤشر معياري لحالة الانحلال الأخلاقي وتفسخ روابط المجتمع.. فهو بكل بساطة نتيجة لتحول العلاقة الاجتماعية من حالة تعاونية تراعي الحقوق والواجبات تحض عليها الشرائع والأخلاق، إلى حالة نفعية لا أخلاقية مدفوعة بجشع السوق وعبادة المال.. ولذلك ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفساد الأخلاقي والغلاء صعوبة المعيشة وجور الحكام وظلمهم في أحاديث عديدة.. كنتيجة لما قدمت أيدي الناس؛

ففي الحديث الصحيح:(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) [رواه ابن ماجة والحاكم]

وقد كان أليس كذلك؟!.

وحتى تأخذ قضية الأخلاق مكانها ووضعها الجوهري في منظومة الإصلاح (وهو عكس المشاهد الذي يشير إلى عملية تهميشية متعمدة لها (لأن السوق وثقافة الاستهلاك تستفيد من الانحلال الأخلاقي)؛ سيكون من ضياع المال والوقت والمجهود إصلاح منظومات مآلها إلى فساد لأن القواعد (الفرد والمجتمع) يغلب عليها الانحلال والتفكك.


2017،


تاريخ الواقعي والخيالي في سيرة الغرباوي.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مقالات الغرباوي

تدوينات ذات صلة