الإنتحار بين الجريمة والعدالة في محراب تحقيق السعادة وفيه نتحدث عن علاج الإنتحار وأسبابه وخطورة العزلة

د/أحمد مقلد

في الآونة الأخيرة إعتادت وسائل الإعلام عبر قنواتها المقروءة والمسموعة والمرئية أن تعلن عن وفاة أحد الشباب صغار السن ودون مقدمات أو بعد ظهور علامات تغير في سلوكيات صاحب الواقعة ومنفذها، ونظراً لكون هذه الجريمة صعبة التصديق، ومثيرة للجدل حول دوافعها وأسبابها ووسيلة تنفيذها، ونظراً لكونها آفة إجتماعية ولم تكن معهودة بيننا، لذا يا من طالعت تلك الأخبار إليك مني باقي تفاصيلها ومسبباتها.

فمن خلال مطالعتي لأغلب حالات الإنتحار وجدتها دوماً ترتبط وبنسبة كبيرة بسن الشباب، وصغار السن وفي حالات فريدة تكون في كبار السن مثل حالة موت الفنان روبن وليامز، منتحرًا عن عمر يناهز 63 عامًا، وكانت نهاية مأساوية مؤلمة لحياة رائعة.

ولكون الإنتحار قد صار ظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا لذا وجب معرفة أسبابها ومسبباتها، واقولها وبكل صراحة جميعنا معرض لذاك الخطر إن لم تنتفض لنا الهمة لمحاولة إزالة خطر العزلة الذاتية والانطلاق حول البحث عن الاجتماع مرة أخري، وفي ظل وجود الخطر المغلف في وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر السلاح القاتل المتمثل في الهاتف المحمول خاصة ونحن جميعاً قد أصابنا جنون التملك للأحداث منه والأغلى ثمناً في زمن يضج بالفقراء.

ومع طول فترات العزلة يتحقق للنفس الإنفراد والتفرد بالعزلة، ويتخلى الفرد عن اجتماعيته فهو يعيش في واقع افتراضي من التعاملات والمشاعر التي يفتقدها في الحقيقة وقد تزيد لذة الفعل بالإندماج الكامل مع هذا السلاح الفتاك، حتى أنى طالعت إحدى الدراسات العلمية والتي تناولت ردة الفعل اللاإرادية لمن أدمن إستخدام الهاتف وأصبح مرتبط بالردود المباشرة على الاشعارات والتنبيهات مما أدى بالأصابع أن تتحرك بذات ردود فعلها ودون إمساك الهاتف وهذا دليل على الاندماج الكامل بالمشاعر والفكر والإرادة.

ولكون وسائل التواصل الإجتماعي والألعاب الإلكترونية وليدة ثقافات مغايرة لذا فإنها تبث فينا سلوكيات غير موجودة لدينا، أو بمعني أصح لم تكن منتشرة بيننا فنحن في مجتمعاتنا الشرقية نميل للاجتماعيات وتبادل الزيارات وحضور المناسبات بين العائلات مما كان له الأثر في تحقيق أعلي مؤشر في الأمان العاطفي والدفء المشاعري ولكن مع تحول الوضع وفي ظل وجود ظلال جائحة كورونا المستجد والتي تفرض علينا التباعد والعزلة حتي تتحقق السلامة من انتشار الخطر في حال تم مخالطة أحد المصابين خاصة في التجمعات والاحتفالات المجتمعية.

لذا كانت وسائل التواصل الإجتماعي هي الحل البديل لتحقيق الواقع الإفتراضي المغاير، ويتحقق من خلالها التواصل بثقافات مغايرة وشخصيات متباينة، وهنا إنتشرت الألعاب التي تحرض على الموت مثل لعبة الحوت الأزرق وغيرها من الألعاب، وهذه الألعاب تجعل من الموت سبيل النجاة وذلك بعد المرور بإختبارات وتجارب تحضر المنتحر للتخلي عن كل عزيز وغالي في مقابل تحقيق لذة الإنتصار بتحقيق مراد اللعبة والتي تسلب اللاعب كينونته لتحوله الي مجرد أداة طيعة لتنفيذ مهمة الموت.

بينما في الزمن السابق كان الإنتحار يرتبط بالتشبع من متطلبات الحياة وتلازمت تلك الظاهرة مع أصحاب الرفاهية العالية ممن ملكوا كل شيء خاصة وهم في سن الصغر فلم يشعروا بلذة الإنجاز وتحقيق النجاح فهانت عليهم أنفسهم لشعورهم بانتهاء دورهم في الحياة وشعورهم بالملل والضجر فقد فعلوا كل ما يفعل ولم يجدوا اللذة لذا رحبوا بالانتحار كوسيلة للهروب ورسالة بأنهم لم يجدوا من يأخذ بيدهم للنجاة، وقد كان ذلك الفعل ينتشر في المجتمعات الراقية وذات الدخول المرتفعة وبين فئات الطبقات العليا من المجتمعات.

ومع زيادة حالات الانتحار في مجتمعنا المحلي وجدت أن أغلبها حالات عانت من الكبت العاطفي، ولم تجد من تعبر له عن سرها ومكنون اعتقادها، وحين بحثوا عن مصدر للدعم فلم يجدوا من يقدمه لهم لذا هانت عليهم أنفسهم وتخلوا عن حياتهم وذلك اعتقاداً منهم أن الهروب من المواجهة هو الوسيلة الوحيدة للحل، ولكون العائلة والمسجد والكنيسة والمدرسة وغيرهم من مصادر الرعاية والدعم لتنشئة أبنائنا حتي يكونوا أسويا ومتوازنين نفسياً واجتماعيا ربما لم يحققوا دورهم بالتواصل بشكل يضمن إندماج هذه الإفراد لهم ، وفي ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أوجدت صحبة زائفة ومعها كانت الوحدة والعزلة ومشاعر التوحد مع الذات، وعدم الرغب في الاجتماع سواء بالحديث أو التواجد في أي تجمعات عائلية أو إجتماعية.

وذلك ربما للإحساس بعدم القدرة علي التكيف مع المحيطين لفارق الثقافة أو للشعور بالدونية وعدم الإحساس بالذات مما ينتج عنه الوهن النفسي وبذلك يكون هذا الفرد عرضة عند أول أزمة أو مشكلة في حياته أن يبحث عن حل لا يؤرقه ولا يتعبه ولابد ان يكون حل مستوحى من تجارب الآخرين في واقع ثقافته الإفتراضية لذا يشعر بأن تخليه عن الوجود هو الحل لجميع مشاكله والتي في أغلب الأحيان يكون مصدرها مشاكل أسرية وتفكك أسري أو ربما مشاكل عاطفية مثل عدم القدرة علي الوفاء بمتطلبات العهود والمواثيق للمحبوبة، أو ربما لوجود مشاكل مالية وعدم القدرة علي الوفاء بالالتزامات في موعدها او ربما لوجود خلل سلوكي مما يجعل الافراد تقبل علي التخلي عن البقاء علي قيد الحياة والاقبال بشدة علي الانتحار.

ومما سبق وتم عرضه تكون الوحدة الناتجة عن الاكتئاب وغياب الحوار المجتمعي هما الأسباب الحقيقة للانتحار، لذا يجب أن نسعي لتحقيق السلام النفسي لذوينا حتي يشعروا بالتقبل الذاتي لأنفسهم كما هي ويشعروا بالتقبل المجتمعي لهم باعتبارهم أشخاص مميزة ومحط النظر، سواء من العائلة الصغيرة أو الكبيرة أو من المجتمع وبيئة العمل، لذا أتمني أن ندعوا أنفسنا ومن نعرف للبحث عن وسائل وأحداث تربطنا بذوينا، وتدعمهم في وقت شدتهم وأن نمكن الحوار والتفاعل المباشر بيننا، وأن نجعل لنا موعد للطعام يجمعنا، وموعد للنقاش وأسلوب تشاوري في إتخاذ القرارات المهمة، ويجب أن ننبذ العنف ضد الأبناء وليكن شعارنا القادم في الحياة " معا نحيا ومعا نتشارك الحياة".


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

الإنتحار بين الجريمة والعدالة في محراب تحقيق السعادة “ معا نحيا ومعا نتشارك الحياة“

إقرأ المزيد من تدوينات د/أحمد مقلد

تدوينات ذات صلة