لسنا بحاجة لأن نقرأ الكتب الأكثر مبيعاً حول العالم أو نتابع دورات التنمية البشريَّة المخادعة حتى تزداد ذواتنا قوة وصلابة وعظمة؛ فالمدرسة المحمَّديَّة كفيلة بأن تخرج لنا أعظم الشخصيات.

من أكثر العوائق التي نعاني منها في مجتمعاتنا اليوم هي عدم القدرة في التعبير عن ما بداخلنا من مشاعر؛ ونتيجة لهذا الأمر تتفكك العلاقات وينخر الحقد والغلُّ قلوب البشر، والقدرة على التعبير تسمى توكيد الذات.

وقبل الخوض في هذا الموضوع أريد توضيح بعض المفاهيم التي ربما تُشْكل على البعض عندما نتكلم عن هذا الموضوع، وهي توكيد الذات، تقدير الذات، والثقة بالذات، فما الفرق بينها؟


كما أعتدت من خلال مقالتي، أسعى دائماً لأن أوصل المعلومة للقارئ بأبسط صورة ممكنة؛ لهذا سأوضح المفاهيم بطريقة بسيطة ومفهومة وبعيداً عن التعريفات المثالية.


الثقة بالذات: القدرة على فعل مهارة معينة، مثلاً شخص يمتلك صوت جميل ويستطيع أن يقف على المسرح ويستخدم صوته.

تقدير الذات: يتعلق دائماً بالمقارنة؛ فمن يمتلك تقدير ذات منخفض يقارن نفسه بمن حوله، ويرى أن من حوله أفضل منه، أما صاحب تقدير الذات المرتفع لا يعبأ بتلك المقارنات، مثلاً صاحبنا في المثال السابق، صاحب الصوت الجميل ربما يقف على المسرح منذ سنوات ويستخدم صوته ولا يرتبك، لكن إذا جاء ذو منصب أو ربما شخص يتقن ذات الموهبة التي يتمتع بها وقام بالاستماع إليه، إن كان صاحبنا هذا ذو تقدير منخفض لذاته سيرتبك ويخاف، مع أنه يقوم بهذا الأمر منذ سنوات، وهنا الفرق بين الثقة بالذات وتقدير الذات.

أما عن توكيد الذات فهو محور حديثنا.

سأبدأ الحديث عن توكيد الذات بهذه القصة الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم -مع الأنصار بعد غزوة حنين، وسأقوم بتحليلها من منظور نفسي.


فبعد الانتصار الكبير للمسلمين في غزوة حنين غَنِمَ المسلمون منها غنيمةً عظيمة, فقَسَمَها النبي صلى الله عليه وسلم فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ, وهم كبار القوم الذين أسلموا حديثاً، الذين طالما حاربوه وقاتلوه، لكنهم أسلموا قبل قسْم الغيمة بأيَّامٍ قليلةٍ فقط.

وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا، الذين بذلوا دماءهم وأرواحهم لنصرة الإسلام، والدفاعِ عن رسول الأنام، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا في أنفسهم حرجاً، حيث لم يعرفوا الحكمة من ذلك.

فلم يتمالك سَعْد بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه نفسه, فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم, لِيصارحه ويُخبره بما يجول في خواطر الناس، فلما أخبره بذلك، تعجَّب كيف حلَّ ذلك في قلوبهم، وقَالَ لَهُ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْد؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا مِنْ قَوْمِي.

عجباً ثم عجباً!! رضي الله عنك يا سعد.. أين نحن منك؟!

لم يجامل على حساب راحته وسكينته وصفاء ذاته، بل صارحه بما كان يحيك في صدره، وجُبِلَ عليه قلبه.


لنرى الآن عظمة رسولنا الكريم في التعامل مع الموقف.. قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمك.

فبعد أن اجتمع عليه القوم بدأ يخاطبهم بما تلين به القلوب وتذرف له العيون وتُقْنَعُ به العقول، حاورهم وبيَّن لهم وسمع منهم حتَّى خرج كل ما في قلوبهم من حرج.

وضَّح لهم ما في قلبه وسمع ما في قلوبهم.. فأين مجتمعنا من المدرسة المحمَّديَّة؟!


هنا يتبيَّن لنا معنى توكيد الذات؛ وهو التعبير عمَّا يجول في خواطرنا وقلوبنا بطريقة سليمة وحكيمة، وهي أصعب ما يكون على النفوس المتكبرة والنفوس الضعيفة.

لذا أيها القارئ الجميل أضع لك خلاصة الموضوع هنا..


لا تخجل من قول ما يجول في نفسك، صارح وعبر عمَّا في داخلك، من حقك أن تضع حد لما يؤذيك، من حقك أن تقول لا لكل شيء لا يتوافق مع ما تصبو إليه، من حقك أن تقول لا لكل شيء لا تريد القيام به، ومن حقك أن تصارح من حولك بحبك وبغضك.

وأيضاً يجب أن تعلم أن من حق الناس عليك أن تعبر لهم عن مشاعرك تجاههم، فلا تخجل من قول العبارات الجميلة لمن حولك، لكن بشرط أن تقترن بشعور حقيقي من قلبك.

والأمر المشروط بتوكيد الذات والذي لا يخرجها إلى إطار الوقاحة؛ هو التعبير بالحسنى كما أمر الشرع، لكن لا ينطبق على جميع الحالات؛ فتعامل مع كل حالة حسب ما يناسبها.


وختاماً أخفف عليك العبء وأمنحك مفتاح الوصول إلى توكيد الذات؛ بل مفتاح القوة الكبرى، ألا وهو الله أكبر. الله أكبر من كل ما حولك، لا أحد يستحق أن تمنحه أكبر من حجمه ومكانته.

عبروا عن ذواتكم ولا تخجلوا، وتذكروا دائماً الله أكبر.

إقرأ المزيد من تدوينات أحمد ريَّان

تدوينات ذات صلة