ذاكرة الإنسان لغز محير، ننسى ما نود أن نذكره، ونتذكر ما نتمنى نسيانه، وكأننا في صراع مع الذكريات.
تلازمني عادة قديمة لا أتخلىَ عنها أبدا، فهي منقذتي في كل مراحل الحياة، تخرجني من حالة الضياع والهذيان وبوادر الكآبة أيا كان مصدرها، ألا وهي وضع قوائم للكتب التي أنوي قرائتها، وهذه القوائم تزداد يوما بعد يوم، ومع أن القراءة فعل حياة بالنسبة لي إلا أن قوائمي للكتب تحتاج مئة عام أو أكثر لإنهائها، فالقراءة بالنسبة لي تتضمن البحث عن الكتب وشراء الكتب، وما أن يصبح عدد الكتب غير المقروءة لدي أقل من عشرة، تبدأ حمى جديدة وهي ليس لدي ما أقرأوه، وهنا تبدأ عملية البحث عن مجموعة جديدة، ولكن ما حدث اليوم كان غريبا جدا، حيث نشر أحد الأشخاص المهتمين بالكتب مجموعته الشهرية التي قرأها، ولفت انتباهي رواية لمؤلفة مشهورة، ولأول مرة أشعر بأن هذا العنوان مر بي سابقا، ولكن ذاكرتي مشوشة، فهل أعرف الكتاب، أم أن التوصيات الكثيرة هي التي منحتني هذا الانطباع بأنني أعرف الرواية، وكي أقطع الشك باليقين، قفزت مسرعة لمكتبتي لأرى، وهنا كانت المفاجأة، الرواية موجودة، وبسرعة انتقلت للصفحة الأخيرة منها وإذا بتوقيعي وتاريخ انتهاء القراءة يزينان الصفحة!
لحظة، هل قرأتها؟ متى؟ ما هو موضوعها وعم تتحدث؟
وساد الصمت، ذاكرتي بيضاء كورقة لم يمسها قلم من قبل.
أنا لا أدعي بأنني أحفظ كل ما أقرأ، ولكن يبقى الإطار العام لما قرأت، والأهم بأنني احتفظ بشعوري أثناء القراءة، فيمكنني أن استرجع الشعور وإن غابت عني التفاصيل، ولكن أن أنسى كل ذلك فهو أمر محير، والعجيب أن التاريخ المدون في نهاية الرواية لا يزيد عن عام، وهو زمن قصير بالنسبة لي، فما الذي حدث.
وهنا بدأت الأسئلة، لماذا تصون الذاكرة بعض التفاصيل وتحذف غيرها؟ وهل الذاكرة تعمل دون تدخل منا؟ أم أن هنالك مؤثرات خارجية تساهم في ذلك؟ وغيرها الكثير من الأسئلة، والسؤال الذي بدأ يطرق رأسي بمطرقته دون رحمة، هل أرهقت ذاكرتي إلى هذا الحد؟ وكعادتي في جلد نفسي نعم، أرهقت نفسي بالتفكير إلى الحد الذي فاضت به ذاكرتي، فهي ممتلئة بصور الماضي وأحداثه حلوها ومرها، وهموم الحاضر وتعقيداته، ممتلئة بخيالات من رحلوا، بتفاصيل محبة ضائعة، بوهم صداقة كاذبة، كل هذا وأكثر، ذاكرتنا في هذا الزمان تعاني من أزمة حقيقية، فلا مجال أمامها لتعيد ترتيب ما نختزنه فيها، بل تتوالي الصور والأحداث والأشخاص والمواقف ووسائل التواصل التي تبث ليل نهار، وما بين حكمة مقروءة وفيديوهات وتسجيلات لا عد لها ولا حصر، تصاب الذاكرة بالتخمة، فتخفي بعضا مما نحشره بها قصرا عنها، وما بين ذلك وذاك يبقى السؤال حاضرا لماذا تصون الذاكرة أشياء دون أخرى؟
وفي النهاية ذاكرتي العزيزة: لماذا كل هذا الهدير؟ في سراديبك الكثير، وكل ما أتمناه منك هو حذف كل ما يؤلمني، كل شعور جارح وكل حزن هدم جزءا مني، احذفي مشاعر العجز والخوف بدلا من حذف تفاصيل رواية لا ضرر من حفظ تفاصيلها بين كل ما سبق.
التعليقات
Reem Alramahi
شكرا حبيبتي لمرورك قارئتي الأولى وملهمتي دائما ♥️♥️ ربما ما تقولينه صحيح بعض الكتب تنهينا ولكن هذا الكتاب لم يكن كذلك ♥️♥️
ابدعتي كعادتك حبيبتي عبير ❤️ بالنسبة للكتاب اللي ذاكرتك مش متعرفه عليه اعتقد الإجابة تكمن في الجواب لسؤال ( هل أنهيت الكتاب أم الكتاب أنهاك؟! )