عذرا يا صغيري لأنني لم أحقق لك مما كنت تحلم به إلا القليل .


كلما عصفت به الحياة انطلق يغذ السير نحو المجهول، يفرغ غضبه بركل الحصى في الطرقات، ينظر للأسفل ليخفي دموعا تقطر داخله،يطلق شتائمه نحو أشخاص لا وجود لهم، يسير بسرعة في طرقات لا يعرفها، ولا يدري أين ستأخذه، وما أن يهدأ غضبه ويدرك بأنه تائه حتى يبدأ رحلة العودة لمنزله، يجمع أفكاره ليرسم خارطة طريق العودة، تلك الطريق التي باتت تطول يوما بعد يوم، وها هو الآن تائه ومتعب، نظر حوله بعينين يملأهما حزن عتيق يأبى أن يغادرهما وكأنه ولد بذلك الحزن، وأخيرا وجد صخرة ألقى ثقل جسده عليها عله ينال قسطا من الراحة.

ألقى بثقل رأسه بين يديه وشرد بعيدا مستحضرا ذلك الطيف الرقيق للطفل الصغير الذي كانه يوما ما، كم هو مخجل ملاقاة ذلك الطيف اللطيف، كم تمنى لو استطاع أن يحضنه أن يعتذر إليه، ولكن ما الفائدة وهو لم يحقق لذلك الطفل حتى أقل القليل من تلك الأحلام الكبيرة التي كان يرسمها بأصابع من أمل، ولكن ها هو قد خذل تلك الأحلام وخذل الطفل الصغير الذي ما زال يسكنه، هز رأسه بقوة عله يمحو تلك الذكرى التي ما زالت عالقة في عقله، تلك الوعود التي قطعها على نفسه بمساعدة كل من حوله ولكنه لم يحقق منها شيئا، نهض متمتما :

  • واأسفاه على عمر قد ضاع هدرا.

أجبر قدميه على التحرك فلم يعد في اليد حيلة، كم تمنى أن يطلق صرخة مدوية تحمل كل ذلك الأسى بعيدا ولكن هيهات، ما أصعب البوح على نفسه، لم يعتد أن يبوح بكلماته لأحد، كلما فتح فمه ليحكي بعضا مما في نفسه انطلقت منه ضحكة خرساء تمنعه من الكلام، ولكنه وفي كل ليلة يبوح ببعض كلماته لسقف الغرفة ، فالسقف أمين على كلماته ولن يحدث بها أحدا ، ولن يطلق أحكاما جائرة عليه ، يسمعه دون مقاطعة ولا اتهامات ، مستمع جيد وفقط .

وأخيرا قادته قدماه للحي الذي يسكنه ، مثل قط ضائع مشرد يعود لبيته المتواضع في ذلك الحي البسيط.

اعتاد أن يستقبله أطفال الحي بلا مبالاة، فقد اعتادوا على تصرفاته الغريبة منذ زمن بعيد ، فأهملوه بعد أن أشبعوه سخرية وتهكما ، ولكنهم ملوا من ملاحقته والصراخ خلفه عندما أدركوا بأنه لا يأبه بهم ولا يحرك ساكنا اتجاه تصرفاتهم نحوه ، ولكنه اليوم يرى نظرات مختلفة في عيونهم لا تشبه ما اعتاده منهم، شيء يشبه الشفقة أو الحزن نحوه وهذا أمر غريب ومستبعد منهم ، فهؤلاء الشياطين جعلوا حياته جحيما فوق جحيم ، ولولا بروده الذي كان يصطنعه أمامهم لما توقفوا عن ملاحقته والصراخ خلفه كلما غادر منزله .

غذ السير نحو بيته فلا بد أن أمرا غريبا قد حدث أو سيحدث هكذا حدثه قلبه ، وما أن اقترب حتى شاهد منزله وكأن زلزالا ضربه فقد سقط سقف البيت وسحب الجدران معه ، ومن بين الركام كانت الكلمات التي طالما أطلقها نحو السقف تفر هاربة نحو الأفق ، تحدث الناس بقصص ذلك الشخص الذي بنى جدارا من الصمت فانهار سقف البيت من ثقل الكلمات ، وطيف الطفل الذي كانه يقف أمامه وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة لا يدري ما معناها .




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات قلمي / عبير الرمحي

تدوينات ذات صلة