الأفعال لا تُسمى باسمها إلا إن سبقها النية الخالصة و لتحقيق النية لا بُدَّ من إدراكٍ واسع و مشاعر واعية..
قرأتُ صُدفةً لأحدِ الأصدقاء منشوراً تُعبر فيه كيفَ لنا أن نعلم إن كانت نوايانا سليمة أم لا ! أليسَ من المُحتمَل أن يكونَ مُجرد اعتقاد و أنَّ ما تكنه نفوسنا بداخلنا أو تعكسه تصرفاتنا لا يعلم مدى صحتها إلا الله .
فكرتُ كيف يُمكن أن تكونَ ردود أفعال الناس المُختلِفة بخصوص هذا النوع من الموضوعات
- إنْ فكر الجميع بهذه الطريقة سيصبحُ العالم مكاناً أجمل ، سيعمه السلام.- ما الذي تتحدثين عنه ؟! نحنُ لا نوايا سيئة نملِكها تجاه الأخرون ، لكنْ لا بُدًّ من الحذر ، العالمُ أصبح مكاناً لا يُؤتمن.
- لِنتوقع الأسوأ من البداية ، كي لا تصِدمنا الأحداث و المواقف.
- الناس جيدون حتى يثبت العكس.
- الطيبة ُ يكافئها الحماقة و الاستغلال هذه الأيام.
- أؤمنُ بأنَّ الله يعلم ما في قلوبنا وهذا كافٍ ، لكنْ يراودني كثيراً الرغبة بأن أصرخ في وجوههم وأخبرهم ليس كما تظنون ..
- إن بعد الظن إثم
- الجميع يدعّي صلاح النية.- لا يهم إن كنت سيئاً أو صالحاً بالنسبة لهم .. هذا سيحدده الله في النهاية.
التساؤل حولَ ما إن كانت دواخلنا سليمة أو العكس يوحي بأنَّ الإنسان مرَ بتجارب و محطاتٍ في حياته دفعته للتفكير أكثرَ حول ماهيته الحقيقية من هو ؟! ماذا يُريد ؟ و كيف ؟ ولماذا ؟ و أسئلة كثيرة تدلُ على اتساع الإدراك و فهم رسالته في الحياة.
لكن ما النيّة ؟ و كيف لنا أن نعلم إن كانت صالحة أم لا ؟ و هل من الطبيعي أن نُلزم أنفسنا على الدوام بأنها قد تكون العكس؟ و هل يجب بالفعل أن نتوقع الأسوأ لنحتمِل الصدمات؟
قبل أنْ نفهم مصطلح النيّة ، لا بُدَّ أن نعي ما تعنيه الروح ، النفس ، و الجسد. الروح مُطلقاً دونَ شائبةٍ تشوبها و قبل انساجمها بالمادة ( الجسد) هي نورٌ في الأصل ، خيّرة. و المادة ( الجسد) مُطلقاً هي خيّرة أيضاً. و النفس هي مزيجُ الاثنين معاً التي ينشأُ منها الاختيار. بيدِك الخيار أن تعيشَ عبر منفذٍ تُحييه الانسانية و القيم النبيلة فتصبحُ مطمئناً راضياً قنوعاً أو تستمرُ بلوم نفسك و الأخرين فتصبحُ لواماً تائهاً أو تخرُجَ عن فطرتك تماماً و ترى في الشر مسلكاً سهلاً لرغباتك فتصبحُ ناهياً عن المعروف ، ناكراً للخير ، هالكاً رغم أنفاسِك.
اللهُ جلّ جلاله كلف ملائكته بأن يكونوا رُقباء على ظواهرِ الناس لا باطنهم لأنَّ الباطن لا يعلمه إلا الله. فالعالمُ يُعلم الناس ظاهراً فإن كان باطنهُ مِثل ظاهره سلُمت نيته و إن كانت ليُقالَ عنه عالم هَلَك. فالجزاءُ الحسن من الإخلاص و التسليم بالقلب من رغبة في الخير للخالق دونَ أن تنتظِرَ شُكراً من أحد و أن الشكر لله وحده ، و هذا ما يُقصدُ بالنية.
أما صلاحِ النية فهو مرتبط ٌ بمدى اتصالِكً الروحاني و يقينك بأنَ عملك و دون أن يمسَ قلبك ذرة شكٍ مقبولٌ بإذنِ الله.
النفسُ البشرية تتقلبُ أحوالها و منظورها للحياة خلال رحلة التجارب المُقدرة لها ، و هنالك مرحلة قد يتجدد ظهورها بين فترة وأخرى : مرحلة التخبُط بالذات ، الشعور بالحيرة و اقتناص الأخطاء للذات و مراجعتها ، انخفاض معدل الثقة بالأخرين ، الشعور بالخطر الزائد عن حده من أي تصرف أو رد فعلٍ بسيط ، تبني السلبية و توقع السوء في أي مكان في الحاضر أو المستقبل و مع أي شخص.
و النتيجة إما أن يكونَ الإنسان واعياً حول الأسباب ويبدأ على الفور بإعادة التوازن الطبيعي السليم و تجديد النوايا أو يغرق و و يُغرِق الأخرين معه.
اليقينُ ، حسنُ النوايا و الظن و العمل بها مرتبطٌ بالوعي بعافيةِ الروح و العقل و المشاعر. تقويةُ العقل و توسيع مداركه يكون من خلال تفعيل الحواس بالتدبر و التفكر ، زرعُ أفكارَ إيجابية تغيرُ من طريقة تفكيرنا مدى الحياة و تتصل اتصالاُ عميقاً بذواتنا و خلقُ مشاعرَ إيجابية تبثُ الخير بنا و لمن حولنا وتجذب ظروفاً و مشاع مماثلة وهذا كله يبدأ بالوعي بالأفكار و المشاعر وإعادة توجيه النية لله سبحانه و تعالى.
إن كانت أفكارك و مشاعرك سليمة ساهمتَ في بناء عالم أفضل ، و إن كانت سلبية ساهمت في هدم العالم وجعله مكاناً غير آمن.
"لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحبه لنفسه ."
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات