الرواية بعنوان: كريسماس في مكة، بقلم الدكتور أحمد خير العمري.
حالما أنهيتها تساءلت: كيف لهذه الحروف البسيطة أن تتناسق وتتلاصق ببعضها البعض بطريقة منمقة منتجة كل هذا الجمال؟ كيف لها أن تصف لنا شخصيات مختلفة، وتعبر عنها حتى نكاد نشعر أننا نعرفها منذ زمن بعيد؟كيف لها أن تحملني إلى مكة فأجدني بين جموع المعتمرين ملبية داعية، متضرعة وباكية؟
شخصيات الرواية الرئيسية هي: مريم ووالدتها، سعد عمّ مريم، وحيدر خالها.
الكثير من العبر بين طياتها فإليكم بعض ما غنِمته منها:
كم هو جميل أننا ولدنا في بيئة مسلمة، والأجمل أننا ترعرعنا فيها، كبرنا وكبر معنا حب الدين والتمسك به. الإيمان لم يكن صعبا أبدا ولكن الأصعب منه الثبات، وأنّى للقلوب أن تثبت دون توفيق من الله؟ فالثبات أمر غيبي لا يمكن لأحد أن يتكهن به أو أن يضمنه، وقد مر أغلبنا بتجارب زاغت فيها القلوب عن الهدى، وحادت عن الصراط، بعضها عاد ليسير في الطريق بعد عناء، وبعضها لازال يتخبط بين دياجير الضياع "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"
يحدث أن ننتكس، يحدث أن نُصاب بخيبات كثيرة ونتجرع مرارة الفشل: تفشل مخططاتنا، تتبخر أحلامنا، وتتقطع بنا السبل فنقف على شفا حفرة من يأس، كثير منا يرفع راية الاستسلام معلنا للناس أجمع أنه مجرد فاشل (مرغت الحياة أنفه في التراب) وقليل منا فقط ينجو، يستعيد رباطة جأشه لينهض من جديد، يستمسك في ذلك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها: الإيمان-نعود هنا للدين-فهو وحده من يضمن لنا حياة هادئة، يضمن لنا الصفاء الذهني، والتصالح مع الذات فنتقبلها بفشلها إيمانا منا بقضاء وقدر الله سبحانه عز وجل، موقنين أن ما خبأه لنا أفضل بكثير مما رجوناه وتمنيناه؛ فهو جزل العطايا إذا منح أدهش سبحانه عز وجل. هذا ما حدث مع سعد(رجل مسلم سني عراقي معماري ناجح ولكنه عقيم لم يستطع أن ينجب، مات أخوه ثم أمه ثم غادرته زوجته ليصبح وحيدا مع والده، سعد مرغته الحياة كثيرا فلجأ إلى رحاب الله: تمسك بالدين وأخلص النية فزاد إيمانه ومنحه الله فرصة للتكفير عن ذنوبه بأن اعتنى بوالده المريض وصار ظله في آخر أيامه)
دائما ما نتعوذ في أدعيتنا من أمور كثيرة منها: النفس التي لا تشبع، وأنى لها أن تشبع! والجشع والطمع صفتان طغتا على النفس البشرية المعاصرة، فأصبح الواحد منا ينظر لما في يدي غيره بعين الطمع والحسد وهو يظن أنه أفضل منه، ناسيا ما يحمله بين يديه وكل النعم التي وهبه الله إياها، وفي حقيقة الأمر أن الأرزاق مقسمة بطريقة عادلة، فقط نحن البشر لا يمكننا أن نرى ذلك، وهذا ما حدث لسعد-تحدثت عنه سابقا- حين نظر لحيدر(وهو أخ زوجة أخيه رجل مسلم شيعي عراقي طبيب ناجح في عمله، غادر العراق وتزوج من إمرأة غير عربية، وأنجب منها فتاة فشل فشلا ذريعا في تربيتها، لم يكن مع والده في أيامه الأخيرة، ولم يحضر وفاته فبقي هذا الأمر يعذبه طيلة حياته) نظر لحيدر على أنه أفضل منه، وبادله حيدر نفس الشعور، أما حقيقة الأمر فكلاهما في نعمة: سعد بار بوالده فهاهو ذا يعتني به ويرافقه في آخر أيامه وحتما سيشفع له هذا الأمر عند الله ، وحيدر منحه الله الذرية!
في سعيك لما تريد حاول أن تجعل رأي الناس وفكرتهم عنك آخر اهتماماتك، عش بالطريقة التي تراها مناسبة-طبعا دون أن تخالف ما شرعه الله عز وجل- لا تحاول أن ترضي أحدا بلباسك أو حديثك أو أكلك، دع مواقفك تعبر عنك وعن هويتك وعما تؤمن به، تعبر عن شخصك دون حاجة للثرثرة، فالناس رضاهم غاية لا تدرك ونظرتهم للغير إما نظرة فيها تعالي واحتقار، أو نظرة حسد وغيرة.
بعض الأشياء حين نتأملها من الخارج نغفل عن جوهرها، ننسى أو نتناسى مكنونها لأننا قوم تسحرنا المظاهر والعياذ بالله(هنا أتى الدور لأتحدث عن مريم التي لم أجد لها وصفا أحسن من أنها مزدوجة الهوية! ابنة أخ سعد توفي والدها مقتولا وهي بعمر صغير، سافرت بها أمها إلى الخارج واهتمت بتربيتها بنفسها، نشأت بعيدة عن أهل والدها وعن وطنها العراق، كبرت وهي لا تحمل من الدين سوى اسمه، درست العمارة واختارت العمارة الإسلامية لتكون موضوعا لتخرجها، لم تخترها عن حب بل لنقل إرضاء للناس، نظمت أمها عمرة أيام الكريسماس لتلتقي مع عمها سعد وجدها، ولتكون العمرة فرصة لتتعرف فيها عن العمارة الإسلامية، وهنا تنقلب حياتها فبعد أن كان الهدف هو العمارة أي التأمل للشكل الخارجي، يتحول الأمر لشيء روحاني، شيء داخلي غفلت عنه مريم كثيرا مما غير حياتها للأفضل...)
كما أننا نهتم بالمذاهب وننسى أنها مجرد فروع لأصل ثابت! نصنف الناس إلى سني وشيعي وسلفي وإخواني..وننسى أن هذه المسميات تسقط أمام معادلة الإخلاص لله تعالى، ننسى أن القضية ليست قضية سني وشيعي بقدر ما هي قضية ثبات وإحسان وإخلاص نية "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
شكرا بيان💚
مبهرة 😍