هل تساءلنا يومًا كيف تؤثر الصدمات حقًا على أطفالنا؟ ما الذي نصنعه يهم حين نبقيهم في وسط مليء بالمشاحنات أو ما هو أبعد من هذا مثل الاعتداء جسديًا أو جنسيًا؟
نادين بورك هاريس Nadine Burke Harris طبيبة أطفال كندية أمريكية من مواليد عام 1975م، عرف عنها بدراستها لمعرفة التأثير الناتج عن التجارب المؤذية والتوتر الحاد في الطفولة وربطها لاحقًا بالنتائج الصحية.
بدأت نادين في متابعة الأمر حين أنهت فترة تدريبها والتحقت بمركز كاليفورنيا الطبي أحد أفضل المستشفيات الخاصة في شمال كاليفورنيا، حيث قامت هناك بمساعدة مجموعة من الأطباء بافتتاح مصحة باي فيو Beyview Child Health Center في واحد من أفقر أحياء سان فرانسيسكو، والذي عمل على تقديم أفضل أنواع الرعاية للمنطقة آنذاك، لكنها مع هذا لاحظت أمراً مهمًا جدًا: ألا وهو أن الأطفال الذين قدموا ليتلقوا الرعاية تحت أعراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط ADHD، لم يكونوا كذلك.
حين دققت في سجلاتهم وملفاتهم عرفت أن هناك أمراً آخر يحدث خلف الستار.كانت المفاجئة أن هؤلاء الأطفال عانوا من تجارب وصدمات حادة في الماضي.وقتها قررت نادين أن تغير مسار دراستها، أخذت تقرأ كل ما كتب عن هذا الأمر من دراسات حتى وصلت لواحدة أخذت اسم "تجارب التعرض للعنف في الطفولة". أجريت هذه الدراسة على ما يقارب 175000 بالغ وتم سؤالهم إذا ما تعرضوا للعنف في الطفولة ACES. الصدمات بالتأكيد لم تكن تشمل رسوب طفل في الامتحان أو خسارته لمباراة ما، بل شملت ما يأتي:
- العنف الجسدي والعاطفي أو الانتهاك الجنسي.
- الإهمال الجسدي أو العاطفي.
- المرض العقلي لواحد من الوالدين.
- إدمان المخدرات لواحد من الوالدين.
- السجن.
- انفصال الوالدين أو الطلاق.
- العنف المنزلي.
لكل تجربة منها نقطة، وبحسب النقاط قاموا بربطها مع النتائج الصحية كالآتي:
- 67% منهم كان لديه على الأقل تجربة واحدة مما سبق.
- 12.6% منهم كان لديه على الأقل 4 نقاط أي ما يعادل نسبة شخص واحد لكل ثمانية.
كلما زادت عدد النقاط أي ما تعرض له الأشخاص في الطفولة كانت النتائج أكثر سوءاً.وارتبطت النتائج الصحية كما يلي:
- لكل شخص امتلك 4 نقاط، فإن المخاطر المتصلة بأمراض الانسداد الرئوي المزمن، والتهاب الكبد تضاعفت مرتين ونصف مقارنة بشخص لم يمتلك أي نقطة. تضاعفت نسبة الكآبة ما يقارب أربع مرات ونصف، أما الميل للانتحار فقد تضاعف 12 مرة.
- أما لكل شخص امتلك 7 نقاط فأكثر، فإن المخاطر المتصلة بسرطان الرئة زادت 3 أضعاف، ولمرض القلب الإفقاري السبب الأول في الموت في الويات المتحدة الأمريكية فقد زادت بما نسبته 3 مرات ونصف مقارنة بشخص عادي.
- ينقص متوسط أعمارهم بما يقارب عشرين سنة.
- وجدوا أنها تؤثر على نمو الأنظمة الهرمونية بل وحتى الطريقة التي يُقرأ ويُنسخ بها حمضنا النووي DNA.
كما كشفت نادين أن التعرض للعنف المبكر في الطفولة يؤثر على النواة المتكئة Nucleus accumbens مركز السعادة والمكافئة في الدماغ، كما أنه يثبط من عمل قشرة الفص الجبهي الضرورية للسيطرة على الانفعالات والوظائف التنفيذية، وكذلك على المنطقة الحساسة للتعلم.كما كشفت صور أشعة الرنين المغناطيسي فرقًا واضحًا في اللوزة الدماغية Amygdala مركز الاستجابة للخوف في الدماغ، والسبب في هذا كان على علاقة مع الغدة النخامية والغدة الكظرية أي نظام الاستجابة للتوتر في الدماغ والجسم والذي يحكم تجاوبنا مع التهديدات والمشاكل.
كيف يعمل؟
تخيل أنك في غابة وأمامك نمر، يقوم جزء المهاد في دماغك بإرسال إشارة إلى غدتك النخامية والتي ترسل بدورها إشارة للغدة الكظرية التي تقوم بإفراز هرموات التوتر: الأدرينالين والكورتيزول! تتسارع ضربات قلبك، يتوسع البؤبؤ وتتفتح المجاري التنفسية لديك رداً على هذه الإفرازات، ووقتها تكون إما متأهباً للقتال أو للهرب. تقول نادين أن هذا جيدٌ جداً لو كنت في غابة ولو كان أمامك نمر!
لكن،
تخيّل فكرة أن يزورك النمر كل ليلة في منزلك، أن يعمل جسدك دون توقف في هذه الدائرة؟ وقتها تتغير هذه الخاصية من كونها للتكيف وللحفاظ على الحياة إلى خاصية ضد التكيف ومدمرة للصحة! والأطفال هم الأكثر عرضة لمثل هذه التغيرات ولتنشيط أجهزتهم بشكل متكرر ضد التوتر لأن أدمغتهم وأجسادهم ما زالت طور النمو والتكوين.
أعتقد أن الأمر الآن بات أكثر وضوحًا أمامنا لوضع حجر أساس لمحاربة التعنيف المنزلي للأطفال، فحتى إن لم ينحدر أطفالنا في سلوكات مشبوهة كردة فعل على ما شاهدوه في الماضي لا زالت صحتهم في خطر! يجب أن نجد حلولاً للتوقف عن توريث لعنات العنف المنزلي، أن نقف ونحاول حماية الغد.
التعليقات