عن العوالم والمعاني، عن المشاعر التي تضطرب لتهدي..
بشكل عام لست ممن يكتب عن تجربة الأمومة بشكل مكثف أو مخفف وربما لن أكون، لكن التجربة بعظمها تفرض عليّ أحياناً أن أكتب لا عن مواقفها والصعوبة التي قد تواجهني مع أبني كإطعامه أو تهذيبه، لكن تفرض عليّ أن أكتب عن المعاني عن المشاعر التي تولد معها، عند الولادة لا نصبح أمهات بميلاد أبناءِنا فقط، تولد الأمومة أيضاً، نلد ذواتناً، أنفسنا الجديدة بأشباحها، مخاوفها وعقدها النفسية، بتعبير أدق وألطف (جراحها النفسية).
المشكلة ليست في بكاء الطفل طول الوقت، لكن في عويل ضمائرنا، في جلدها الدائم لظهورنا، في حوار لأحدي الكاتبات وصفت الشعور بالذنب بأنه جزء عضوي من الأم، وهو أدق تعبير إلى اليوم، نلد مع أطفالنا معاني الخوف، معاني الأفضل ومحاولة الأفضل، تطفح عقدنا على السطح لا يجدي معها أن نسد أنوفنا، نخشى عليهم أن نمرر إليهم سوءتنا بشكل مباشر أو غير مباشر، نتمنى أن نحميهم من أنفسنا من المواقف الصعبة، من عقد المجتمع، من عقد الشخصيات الكريهة التي جرحنا سوؤها، لكن ننسى أن سوؤها وبشكل ما شكلنا، فجعل لشخصياتنا زواياها الحادة التي توجه في الوقت المناسب للشخص المناسب، لذا يجب أن يعيشوا تجاربهم، حمايتنا الدائمة لهم والغير ممكنه بكل الأحوال أثمٌ كبير. أعود للأمومة بعيداً عن المنحدر الذي سلكته في الفقرة الماضية، عن المعاني، عن العوالم التي تولد مع تجربة الأمومة، كما تحب أن تسميها أروى الطويل، تبدأ الأمومة كتجربة لكنها غير قابلة للانتهاء، تصبح أسلوب حياة.
عن التشتت بين الذات والذات المنبثقة منها، التي أرعاها وأدللها، أصبر عليها وأحلم عليها، أو أفقد صبري أحياناً وأقسوا عليها، أصرخ حين تنفذ طاقتي وأغضب عليها، التشتت بين الرغبة في تربيتها والإحسان إليها وبين الرغبة في الانفصال عنها بشكل وقتي بسيط، لتحقيق إنجاز شخصي للغاية وإن بدا مفهوم شخصي غير دقيق على النحو المطلوب، أفكر وقد مر منذ بداية التجربة عامان، لم أنجز في حياتي بالتحديد فيما أحب كما أنجزت في هذين العامين، وإن كانت خطوات التقدم في هذا الإنجاز ذات معيار سلحفائي إن صح المجاز، لكن لم أكن أوضح ولم أحدد طريقاً أوضح إلا في هذين العامين، طريق مغاير لما رسم ليَّ اجتماعيا وأكاديميا، لكن تعرفت فيه على الوجه الذي أحب من شخصي.
مع الأمومة أتشتت بين ذاتي أناي، وذاتي في طفلي، ذاتي في زوجي وذاتي في العائلة، شركاء متشاكسون، ذوات في ذات، تضطرب صحتي النفسية وتلعب الهرمونات لعبتها الطبيعية المحتومة، تجذبني أيادي عدة في طرقات متفرقة، أبتعد في هذا الضياع عن الله، أقصر في حق الله في كل الحقوق وفي كل الجهات، فلا أجد إلا الاستسلام والسقوط، السقوط المحمود بين يدي الله في ركعتين والكثير من البكاء والحزن، تنفتح كوة مضيئة لمعنى لم أدركه إلا بعد ضلال، فالأمومة ضلال لابد منه لهداية كبيرة، تمزق لا بد منه لجبر كبير، سخط لابد منه لرضى كبير وجهل لا بد منه لمعنى كبير.
معنى السلام، معنى الأسماء ومعنى الذات الإلهية التي خرجنا جميعاً منها، أسم الله السلام، في طرقات البحث والتشتت بين المنهجيات والكتب ورغم كوني شخص محب للقراءة لكنها قراءة نوعية للأدب بشكل خاص وليس كتب تربية الأطفال، مع الوقت تنبثق المشكلات مع شعور مصاحب وعضوي بالذنب لا يميزه إلا ما ينتج عنه من دافع للتعلم للأفضل، أسمع في طرق التربية الحديثة، في الوالدية الواعية، في مصافحة الذات، أسمع عن الطفل الداخلي، عن السلام الداخلي والاستشفاء الذاتي، في النهاية أجد المعنى! أصحح أبصر المعنى لأنه لم يكن خفياً لكن كنت في عمى، أجد السلام في دعاء، أردده باعتياد بعد التسليم من الصلوات، خمس مرات يوميا في أقل تقدير (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام).
إذا الاستشفاء ليس ذاتياً بل من ذاته، والسلام ليس داخلي بل روحي "...ونفخت فيه من روحي" والروح من أمر ربي وما أوتينا من العلم إلا قليل، تنير في فؤادي آية أخرى "...قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين* يهدي به الله من أتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة، فهل يمكن أن تكون كل هذه الذوات المنبثقة من ذاتي والجهات التي تجذبني سبلاً للسلام؟، أعيد السؤال بطريقة أدق، كيف أهتدي في هذه الذوات إلى سبل السلام؟!
أدعوا..
اللهم أنت السلام ومنك السلام، اهدنا سبل السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام.
يتبع..
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جزيتي خيراً يا دكتورة مقال اكثر من رائع احسنتى فى التشبيه ان الامومه تولد مع الطفل