يارب الجمال بصرني بالجمال، يارب الجمال سبحانك..كيف عرفت الدهشة، اسأل الياسمين.

بمحبة كبيرة لاقتناء نبات وبرغبة شديدة في الزراعة ومخاوف من الفشل وانطفاء الشغف، اتضح بشكل درامي كنت أنفيه عن نفسي أني أتحلى ببعض الجبن من التجارب الجديدة فألجأ للتأجيل، فالنهاية شممت الياسمين اثناء تجوال مسائي برفقة زوجي وصغيري الذي كان على وشك إتمام عامه الأول، إلى جوار سياج يحيط بأحواض زرع ببناية فيما يعرف عندنا بالمساكن-بيوت تبنيها الدولة وتملكها للمواطنين بأسعار ومساحات أخفض- ألتفت لمصدر العطر، تعريشة متطاولة من الياسمين فوق سياج الحديد، بياض الزهور المنمنمة ببتلاتها الخماسية كانت تضئ كنجمات الليل، نجمات بعطر سماوي نبهت حواسي ايقظتها وتسللت في غفلة إلى قلبي من بابه الموارب الحذر واستقرت، قررت اقتناء الياسمين، بحثت عن معلومة أزهار عطرية تتفتح بعد الغروب ويشتد عطرها ليلاً، وبتأجيل شخص لم يعتد الذهاب للمشاتل إلا لاقتناء ورد الباقات، جاءني الياسمين إلى أسفل البناية التي أسكنها في عربة تبيع أزهار ونباتات الزينة، ترددت حتى أن أنزل للبائع سألني : عاوزه حاجة؟

- في ياسمين؟!

- أنزلي بس في كل اللي عوزاه.

وترددت مرة ثانية، لولا الجار الذي أوقفه للشراء، نزلت واشتريت الياسمين، قال: في فل وورد بلدي- كان له برعم وردي نضر على وشك الأزهار لا زلت أذكره وأندم لعدم شراءه- قلت: أجرب الياسمين أولا، أول مرة أعتني بنبات، ثم...

أصبحت شخصاً مدهشا جدا- أتقصد المدح- مدهشاً ومندهشاً بصدق، أتابع البراعم انتفاخها تفتحها، أشرب جوارها قهوة الصباح، وتفسح في قلبي للصبر والقوة مجلسا لم يكن فيه ومعاونة لي في تجربة أمومة غير ناضجة بعد، يطول الفرع وتظهر أوراق جديدة، ورغم قلة الزهر لأننا في ختام موسم الأزهار، تشرين الأول حين اقتنيته دورت بحوض الياسمين وقفزت مثل الصغار.

كيف كنت قبل الياسمين وكيف صرت!

فرع محمر كوليد خرج توا من رحم أمه شق التربة ونبت! كيف! تمام كما شق وليدي ألآم المخاض بخروجه الرحيم من رحمي، كبر الفرع قليلا وأخضر خضرة فاتحة نضرة، أوراق مخملية غضة الملمس كجلد رضيع، طال أكثر وأكثر سمكاً صار، استحال الأخضر النضر بنضوجه أخر غامق وعميق وجذاب، اشتد العود وتغير ملمس الأوراق كجلد مراهق أخضر شارباه، طال أكثر دعمته بالربط على ماسورة صرف المطر، تفرع عرضاً حين أكتفى طولاً، طالت فروعه، أزهر الياسمين في المعمورة على وسعها أو هكذا يفترض به في أواخر نيسان وأيَّار على أبعد مدى، ولم يزهر لدي وانتظرت بشوق، شوق حقيقي غريب، هل يشتاق لنبتة لزهرة بطول عقلة الأصبع! اشتقت، أزهر في تموز-يوليو- تزامناً مع اقتراب ربيعي السادس والعشرين من العمر، فتح الياسمين، لو أن الربيع لم يأتي بغير الياسمين! وأزهر قلبي، ما بين تشرين الأول حين اقتنيته وتموز حين أزهر مر زمن وعصفت جائحة وحجر صحي ونباتات أخرى دخلت بيتي بفضل الياسمين، اقتنيت الورد البلدي بتقدير خاطئ في شباط-فبراير-وعلى وشك الذبول وبحاجة إلى تقليم، نمت أوراق جديدة للورد البلدي-الجوري- مرض، اصفرت الأوراق وتساقطت جميعها، دخل حزن عميق وحقيقي قلبي، في بداية آذار قبل دخول الحجر الصحي اقتنيت أول نبات ظل، البوتس-قلب عبد الوهاب- أثناء الحجر الصحي ازداد اهتمامي بالنباتات، قرأت وشاهدت عن العناية، التسميد والإكثار بالتعقيل، مجدداً شحنة أخرى من النباتات وبالشراء عبر النت من صفحة أحد المشاتل والتوصيل حتى المنزل، كواليس-سجاد-، جارونيا-خبيزة-، قرنفل ونعناع سعودي، ثم.. عناية، إزهار، إبطاء في الزهر والنمو، الياسمين يزهر أخيراً زهرة، اثنتان، ثلاثة، عشرة في آن واحد في تعريشة مبهجة.

في ذكرى زواجنا الثالثة قررنا، نستعيض عن ورد الباقات الذي يذبل في أسبوع، بنبتتين جديدتين، أخترت الونيكا، بأزهارها البنفسجية عديمة الرائحة، أعجب محمد بنبات شبه عصيري-هكذا ظننا في البداية-له رائحة الزعتر، فيما بعد اكتشفت أنه زعتر أندلسي، أوراق بملمس القطيفة المشعرة، تترك في مسام الأصبع رائحة الزعتر الحر،

أحببت النبات وأحببت الياسمين أكثر، ثم.. إصابات ومعالجة-مبيدات حشرية كيمائية وأخرى عضوية معدة منزلية- حاولت إنقاذ البعض فشلت وماتت شتلة الورد الجوري، حاولت إنقاذ الأخر عادت الجارونيا بإضافة تربة جديدة جيدة التصريف للاخضرار وإنتاج أوراق جديدة وعلى وشك الإزهار، محاولة للزراعة بتجذير العقل من البوتس، زرعتها لم تنجح ومع تربة جديدة أخف نجحت وأنقذته هو الأخر من تعفن الجذور، من أين لي بتربة جيدة؟ مشتل جديد بالقرب من البيت، يا فرحتي، يلا نزوره يا يحيى؟ يلا...أزهار شتوية، أرولا، قرنفل صيني، بدرجات مبهجة من القرمزي والوردي، هوب إزهار، إبطاء، نقل إلى سندان غير مناسب لم يتحمل القرنفل مات، تعلمت درساً، إصابة حشرية للأرولا، معالجة وأخيرا تسترزق العصافير على نباتاتي فتنهك البعض وتأكل أوراق الأخر بالكامل.

خريف، نفض الياسمين أوراقه، ذبلت وتساقطت، في انتظار خروج تفرعات جديدة، لم تخرج أبطأ النمو والتربة لا تصرف الماء بالشكل المطلوب، خطوة أخرى مخيفة لابد من نقله إلى سندان أكبر السندان الحالي لا يتسع لحجم النبات، التأخير يعني فقدان الياسمين، ارتعبت، إلى المشتل، تربة جديدة وسندان بحجم حوض، هوب.. نقلنا الياسمين سبحان الله، تتمشي الجذور على سطح التربة من كل الجهات، لا مكان لتمتد داخله، بوضع يد حول السيقان فوق التربة وأخري أسفل السندان، هوب، قلبته "بسم الله" خبطة خبطتين، خرجت التربة بالكامل من السندان سالمة، وضعتها في الجديد "بسم الله، اللهم أنبتها نباتاً حسن" أزيد التربة، أهز لسندان لأتأكد من استواء التربة وكفاية الكم المضاف، أشبعت التربة رياً بالماء حتى خرج الفائض من ثقوب التصريف، أسبوعان، ثلاثة ولم تظهر علامات نمو ولا بداية تفرعات جديدة، ثم قرأت بوست عن طريقة النقل الصحيح، أخطأت بعض الخطوات، السندان أكبر من اللازم "أستر يا رب ما تتعفن الجذور" أسأل صديقة مهتمة بالنبات تقول: سمديه إن شاء الله ما تتعف الجذور، تظهر بداية نمو عند العقد، الحمد لله بدأ ينمو، أهمس للياسمين " نورت بيتي يا بهجة البيت"، أمني نفسي بحديقة وتعريشة أكبر وعطر كثيف من الياسمين في نيسان أو تموز قادم.

يتبع..



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هاجر الذهبي

تدوينات ذات صلة