تم الإعلان مؤخرا عن أن أول تصنيف عربي للجامعات العربية سيظهر للنور مع نهاية هذا العام 2022، وسيتم تنفيذه من خلال اتحاد الجامعات العربية.

هل تفيد التصنيفات الدولية الجامعات العربية؟


د. طارق قابيل*

***


تم الإعلان مؤخرا عن أن أول تصنيف عربي للجامعات العربية سيظهر للنور مع نهاية هذا العام 2022، وسيتم تنفيذه من خلال اتحاد الجامعات العربية الذي يضم حاليا 450 جامعة عربية، وسيسعى الاتحاد من خلاله لأن يكون هذا التصنيف عالميا خلال عامين من الآن، حيث بدأت الأمانة العامة لاتحاد الجامعات العربية بالفعل في تنفيذ إستراتيجية مهمة منذ عام 2019 مدتها عشر سنوات تهدف إلى العمل على الارتقاء بشكل حقيقي بمستوى الجامعات العربية ورفع شأنها لكي تصل إلى مستوى الجامعات العالمية.

وكان أول مشروع في هذه الإستراتيجية هو كيفية رفع مكانة وتصنيف الجامعات العربية عن طريق النشر العلمي، خاصة أن لدى الجامعات العربية ثروة معرفية كبيرة في العلوم الإنسانية، لكن التصنيفات الدولية لا ترى هذا الإنتاج المميز للجامعات العربية، ولا يصل هذا الإنتاج العلمي إلى العالم بالقدر الكافي لأن أغلب معاملات التأثير تصدر عن دوريات ومجلات أجنبية؛ لذا تم بالفعل توقيع اتفاقية مع المؤسسة المالكة لقاعدة بيانات «سكوبس» لتضمين المجلات العلمية الصادرة عن الجامعات العربية بقاعدة بياناتها.

واتفق اتحاد الجامعات العربية على تأسيس منصة للمجلات الصادرة من الجامعات العربية سواء كانت باللغة العربية أو باللغات الأجنبية، واتفق أيضا على أن يكون لديه مجلس استشاري مثيل للمجلس الاستشاري الموجودة في قاعدة بيانات «سكوبس» لمساعدة المجلات وإعدادها لكي تتوافق مع المعايير المطلوبة والموجودة في قاعدة بيانات «إسكوبس»ـ

سيراجع هذا المجلس المعايير الشكلية والفنية ويعمل على التوصية بدخول المجلات العلمية في قاعدة البيانات. وسيساعد هذا بلا شك المجلات العلمية لتحقيق هذا الهدف، كما سينعكس مباشرة على وجود الجامعات العربية في التصنيفات العالمية، وقد بدأ تنفيذ هذا المشروع بالفعل وتوجد حاليا مجموعة من المجلات العلمية العربية على منصة الاتحاد، ويمكن لأي باحث الدخول على موقع اتحاد الجامعات العربية للاطلاع على هذه المنصة والتي سيكون لها تأثير كبير جدا في التصنيفات المستقبلية.


أول تصنيف عربي للجامعات

ظهر أول تصنيف دولي للجامعات، سنة 2003، وهو تصنيف شنغهاي، ثم ظهرت لاحقا تصنيفات أخرى متعددة تعتمد على معايير معينة منها، على سبيل المثال لا الحصر، عدد البحوث والمنشورات العلمية، وعدد الطلاب وبراءات الاختراع والجوائز والاكتشافات والمخترعات العلمية، إلخ. وقد كان الهدف الأساسي من تصنيف شنغهاي هو مقارنة الجامعات الصينية بنظيراتها الغربية، لتشخيص وتفادي مواضع الخلل والتقصير في الجامعات الصينية. ولكن، أصبح هذا التصنيف الجامعي فيما بعد صناعة أكاديمية بامتياز، ويؤثر على اختيار الطلاب للجامعة التي يرغبون الدراسة فيها، وعلى تمويل الجامعات ومشاريع البحوث.

وحاليا، يوجد في العالم أكثر من 30 ألف جامعة ومعهد عال في 238 دولة يتم سنويا تقييم وتصنيف عدة آلاف منها لاختيار أفضلها من خلال 20 تصنيف دولي للجامعات، وتستشهد الجامعات العربية بتصنيفات من الصين وأوروبا وأمريكا، وأبرز هذه التصنيفات: تصنيف شنغهاي الصيني، وتصنيفان إنجليزيان، وتصنيف أمريكي وتصنيف تايواني، وتصنيف إسباني وتصنيف أسترالي وتصنيف إماراتي، وغيرهم. ونحن بالقطع في حاجة لأن يكون لدينا التصنيف العربي الذي يتوافق أولا مع المعايير الدولية وفى نفس الوقت يراعى ظروف الجامعات العربية على وجه الخصوص.

ومن المعلوم أنه يتم وضع معلومات واضحة عن إمكانيات الجامعات التعليمية والبحثية وخدماتها للمجتمع على مواقع التصنيفات العالمية، وعقد مقارنة لأداء هذه الجامعات، مما يجعل معظم الجامعات تتسابق وتفتخر بتفوقها، وعادة ما تكون حريصة على أن يتم إدراجها ضمن التصنيفات العالمية، لأن تقدمها في التصنيفات الدولية يساهم في استقطاب الطلاب المتفوقين والوافدين للالتحاق بها للدراسة ولضمان توظيف خريجها، وإمكانية استكمال دراستهم العليا في أرقي الجامعات العالمية والحصول على وظائف مناسبة، وجذب الأساتذة المتميزين للتدريس بها.


معايير جديدة للتصنيف العربي

يساعد تصنيف الجامعات المرتقب أيضا في الحصول على تمويل للمشروعات البحثية وزيادة الدعم المادي من جهات متنوعة تبعا للسمعة الطيبة للجامعة المصنفة عالميا. كما أصبح دخول الجامعات ضمن التصنيف العالمي أحد شروط اعتماد وزارات التعليم في بعض الدول للموافقة على تأسيس شراكة أو فروع لجامعات أجنبية بها، ولهذا، فإن الإعلان عن أول تصنيف عربي للجامعات العربية في المؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية الذي انعقد في ضيافة جامعة عمان الأهلية بالمملكة الأردنية الهاشمية وشارك فيه عدد كبير من الجامعات العربية، هو خطوة مهمة في طريق تأسيس تصنيف جديد للجامعات العربية.

وأكد الدكتور عمرو عزت سلامة، الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري الأسبق، أن الاتحاد يعمل بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وجامعة الدول العربية، على إصدار أول تصنيف عربي للجامعات، وبدء اتحاد الجامعات العربية في وضع بعض المعايير الجديدة للتصنيف العربي الجديد للجامعات العربية، والتي تتفق مع تطور الثورة الصناعية الرابعة والخامسة.

وبحسب ما أعلن، فسيعتمد التصنيف العربي للجامعات على معايير واضحة وشفافة، وسيخرج بعيدًا تمامًا عن مظلة التصنيفات الدولية التجارية، وسيتميز التصنيف العربي الجديد عن بقية التصنيفات العالمية الأخرى بمعايير جديدة لأول مرة تقيس مدى تميز الجامعات العربية في مجال الابتكار والإبداع والريادة، وهذا المعيار لا يوجد في أي تصنيف من التصنيفات الدولية.

حسب التصريحات، فإنه تم الانتهاء من كل الأمور الفنية في هذا المشروع، ومن المتوقع أن يعلن عن أول تصنيف للجامعات العربية مع نهاية هذا العام، ويهدف المشروع أيضا أن يتطور خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر ويمتد ليكون ليس قاصرا على تصنيف الجامعات العربية فقط بل يكون شاملا للجامعات العالمية أيضا.


هل تفيد التصنيفات الجامعات العربية؟

من المتوقع أن يساعد التصنيف العربي الجديد الجامعات العربية على تنشيط الإبداع والابتكار بها وذلك لتنمية المجتمع لأن البحث العلمي في الجامعات هو الذي يؤدى إلى تطور المجتمعات وتنميتها، كما سيساهم هذا المشروع في أن يكون للمنطقة عربية الإسهام الخاص بها في التصنيفات العالمية، وسيحدد هذا التصنيف عند اكتماله موقفنا نحن أيضا كجامعات عربية من مستوى بقية الجامعات العالمية في نهاية الأمر.

وجدير بالذكر أنه طرأ الكثير من التحسن النوعي والكمي على بعض الجامعات العربية في السنوات الأخيرة، ولكن لا يزال الكثير منها يعاني من صعوبات جمة، تعيق أحيانا سير العملية التعليمية والنشاطات البحثية فيها، إما بسبب ضعف الموارد المادية أو البشرية، أو كليهما أو لأسباب أخرى متشابكة ومعقدة تؤدي في نهاية المطاف إلى غياب رؤية علمية واضحة لهذه المؤسسات، ونقص الكوادر المؤهلة للعمل على مشاريع تطويرية إنمائية، والى ضعف المساهمة في بناء مجتمع معرفي يشارك في إيجاد حلول علمية وعملية مناسبة للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات العربية.

وبغض النظر عن نتائج أي ترتيب جامعي من الناحية المادية والعددية، فإن تصنيف الجامعات موضع انتقاد من قبل كثير من الهيئات والمؤسسات الدولية، فهي تعتمد على تصنيف ومقارنة جامعات مختلفة في كل شيء تقريبا، بما في ذلك الموارد المادية والبشرية، وعدد ساعات العمل وتواتره، وعدد العاملين ومؤهلاتهم، ونسبة المدرسين والباحثين إلى الطلبة إلخ، وبالتالي فهي مقارنات غير صحيحة من لأنها لا تقارن مؤسسات علمية متماثلة في كل شيء، ما عدا الصفات المستخدمة للمقارنة. ومن المعروف أن التصنيفات الحالية، تقارن جامعات غير قابلة للمقارنة أصلا، بسبب البون الشاسع بينها في كثير من الأمور واهمال الإنتاج المعرفي بغير اللغة الإنكليزية.

ومن مساوئ التصنيف أيضا، أن بعض الجامعات يمكن أن تتبع أساليب ملتوية وتدفع أموالا لتتعاقد مع "أساتذة مشهورين" من أجل رفع رصيدها وسمعتها لتحقيق تلك الغاية. وينبغي جعل فكرة التصنيف الجامعي هوسا وهدفا بحد ذاته، لأن أهداف التصنيف الجامعي اليوم هي أهداف ربحية أكثر منها تعليمية أو خدمية. وينبغي بالأحرى أن يكون هدف الجامعات العربية هو كيفية تحسين مستوى التعليم فيها، والارتقاء به وبالبحث العلمي والتأليف، وتحويل الأفكار العلمية والتطبيقية المبدعة إلى مشاريع مثمرة تعود بالنفع على المجتمع، لا أن تبقى حبيسة الكتب والدوريات العلمية. وان تحقق ذلك، فإن "التصنيف" أو النوعية الجيدة للجامعات العربية ستكون تحصيل حاصل.

وأخيرا، لا بد من مراجعة جدية لميزانية البحث العلمي الهادف إلى إيجاد حلول للمشاكل والعقبات البيئية والصحية والصناعية والزراعية في الجامعات العربية، وليس التباهي بالإنفاق على مشاريع مكلفة لا تهم المجتمع من قريب أو بعيد، من أجل الظهور في تصنيف عبثي هنا أو هناك لا يفيد في نهاية المطاف إلا الجامعات التي تعتمد على رسوم التسجيل الباهظة، وهذه ليست حال معظم الجامعات العربية، والتي يمكن أن تحتفظ بخصوصيتها في مجانية التعليم. ولكن بنفس الوقت عليها أن تسعى حثيثا نحو تحسين جودة التعليم، وتخريج طلبة أكفاء مزودين بالعلم والمعرفة والخبرة الضرورية لإيجاد حلول مناسبة للمشاكل الحالية والمستقبلية، وليس من أجل التفاخر بالظهور في تصنيف هنا أو هناك.

***

الكاتب

_____________________________________________

* د. طارق قابيل

أكاديمي، كاتب، ومترجم، ومحرر علمي

- متخصص في الوراثة الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية

- عضو هيئة التدريس - قسم النبات والميكروبيولوجي - كلية العلوم - جامعة القاهرة

- زميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا (ASRT Fellow) وعضو لجنة الثقافة والمعرفة بالمجالس العلمية المتخصصة، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي - مصر.

- عضو لجنة دعم البحوث الأساسية Science Up بمكتب التقييم الفني والمتابعة وتقييم الأداء التابع لرئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.

- عضو اللجنة العلمية بمركز التراث العلمي، جامعة القاهرة

البريد الإليكتروني: [email protected]

الموقع الإليكتروني: http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel/

*



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. طارق قابيل

تدوينات ذات صلة