صراع المصطلحات العلمية العربية: هل يُنهي التعاون بين العلماء والإعلاميين أزمة الترجمة في العالم العربي؟

الشارقة، 28 يناير 2024

في إطار فعاليات المنتدى العربي للإعلام والتواصل العلمي في نسخته الخامسة، التي نظمتها شركة "سايكوم إكس" بالشراكة مع كلية الاتصال بجامعة الشارقة، شهدت إحدى الجلسات النقاشية حواراً ثرياً حول إشكالية المصطلحات العلمية الحديثة، وفي الجلسة الحوارية الاستثنائية بعنوان "إشكالية المصطلحات العلمية الجديدة في الصحافة العربية"، ضمن فعاليات المنتدى العربي للإعلام والتواصل العلمي 2025، اجتمع نخبة من الخبراء والعلماء والإعلاميين لبحث تحديات تعريب المصطلحات العلمية وتأثيرها على دقة نقل المعرفة للجمهور.


أدار الجلسة الكاتب التونسي الصغير محمد الغربي، بمشاركة نخبة من الخبراء، أبرزهم الدكتور طارق قابيل، الكاتب والمترجم العلمي وعضو هيئة التدريس بكلية العلوم جامعة القاهرة، والباحث الرئيسي لمشروع "مستقبل التواصل العلمي في مصر" بأكاديمية البحث العلمي.


شارك في الجلسة، التي أدارها الكاتب التونسي الصغير محمد الغربي، كل من: الدكتور طارق قابيل (الكاتب العلمي وعضو هيئة التدريس بجامعة القاهرة)، الدكتورة ملاك مكي (الباحثة في الصحافة العلمية)، وعلياء حامد (المحرر التنفيذي لـ"نيتشر ميدل إيست").


التحدي الأكبر: تشتت المصطلحات وفجوة الثقة


افتتح الدكتور طارق قابيل الحوار بالإشارة إلى أن "المصطلح العلمي هو جسر بين الباحث والجمهور، وأي خطأ في بنائه يُهدد فهم الحقائق". واستعرض تجربة برنامج "الدحيح" كمثال، حيث أثارت ترجمة مصطلح "Unconditioned Positive Regard" لـ"قبول غير مشروط" جدلًا واسعًا بين الأطباء، ما اضطر الفريق لتصحيحه إلى "نظرة إيجابية غير مشروطة". وأكد أن مثل هذه الأخطاء تُظهر حاجة ماسة لـقاعدة مصطلحات موحدة تعتمد على شراكة ثلاثية بين العلماء والمترجمين والصحفيين.


مبادرات فردية.. وغياب المؤسسية


أشارت علياء حامد إلى أن "90% من الأبحاث العالمية تُنشر بالإنجليزية، ما يخلق فيضانًا من المصطلحات التي تحتاج تعريبًا سريعًا". وانتقدت جمود بعض مجامع اللغة العربية في تبني مصطلحات مرنة مثل "أنسنة" بدلًا من "إضفاء الطابع الإنساني"، قائلة: "اللغة العربية قادرة على الابتكار، لكننا نحتاج جرأة أكبر".


من جانبها، ألقت الدكتورة ملاك مكي باللوم على انعزال بعض الباحثين عن المجتمع، مؤكدة أن "تجربة جائحة كوفيد-19 أثبتت أن التعاون بين العلماء والإعلاميين يُنتج مصطلحات واضحة كـالمناعة المجتمعية، والتي أصبحت مفتاح فهم الجمهور".


الهوية العلمية العربية بين التشظي والتوحيد

افتتح الدكتور قابيل الجلسة بتأكيده أن المصطلح العلمي ليس مجرد أداة تواصل، بل هو ركيزة لـبناء الهوية العلمية العربية، مشيراً إلى أن تشتت الترجمات وغياب التوحيد يُضعف الدقة العلمية ويؤثر على مكانة العالم العربي دولياً. واستشهد بتجارب تاريخية، مثل جهود الراحل الدكتور أحمد مستجير في ثمانينيات القرن الماضي، الذي نجح بربط العلوم بالأدب العربي، لكنها ظلت جهوداً فردية لم تُترجم إلى حركة مؤسسية مستدامة.


تحديات الصحفيين: بين البحث والترجمة

ناقش الحضور التحديات التي تواجه الصحفيين والمترجمين في نقل المصطلحات المتخصصة (كالطب والهندسة)، حيث أشار قابيل إلى ضرورة الموازنة بين الدقة العلمية وسهولة الفهم، محذراً من استخدام مصطلحات غير موحدة قد تُنتج سوء فهم جماعي، كما حدث في حلقة برنامج "الدحيح" حول اضطراب ADHD، حيث أثارت ترجمة مصطلح "Unconditioned Positive Regard" جدلاً بين الأطباء لاختلاف تفسيرها بين "قبول غير مشروط" و"نظرة إيجابية غير مشروطة".


العلماء والإعلام: شراكة ضرورية

أكد قابيل على أهمية تعزيز التعاون بين العلماء والإعلاميين لضمان استخدام مصطلحات موحدة، ودعا إلى تبسيط العلوم دون التضحية بالدقة، مشيراً إلى أن غياب الحوار بين الطرفين يؤدي إلى فجوة معرفية. وضرب مثالاً بـجائحة كوفيد-19، حيث ساهم التعاون في تعريب مصطلحات مثل "المناعة المجتمعية" و"التباعد الاجتماعي"، مما سهل فهم الجمهور.


الإعلام الاجتماعي: سلاح ذو حدين

تطرق النقاش إلى دور منصات التواصل في نشر المصطلحات، حيث أشار قابيل إلى أنها أداة فعّالة لاستهداف الشباب، لكنه حذر من استخدام مصطلحات غير دقيقة قد تشوه الحقائق، كما حدث في نقاشات التغير المناخي والهندسة الوراثية.


أخلاقيات المصطلح: بين الدقة والتضليل

ختم قابيل بالحديث عن الجانب الأخلاقي، مؤكداً أن استخدام مصطلحات مضللة (كـ"التعديل الجيني" بدلاً من "التحرير الجيني") يُضعف ثقة الجمهور بالعلم، ودعا إلى مبادرات مؤسسية لتوحيد المصطلحات، مستلهماً تجربة "خارطة طريق التواصل العلمي" التي يُشرف عليها، والتي تهدف إلى تعريب العلوم وإنصاف اللغة العربية.


رأي الخبراء: اللغة العربية قادرة.. لكن الجهود مُشتتة

شاركت الدكتورة ملاك مكي، الباحثة في الصحافة العلمية، برأيها بأن المشكلة ليست في اللغة بل في انعزال الباحثين عن المجتمع، مما يعيق تبسيط المصطلحات. بينما أرجعت علياء حامد التحدي إلى الخوف من الإبداع في الترجمة، مثل تأخر اعتماد كلمة "أنسنة" بدلاً من "إضفاء الطابع الإنساني".



الذكاء الاصطناعي: فرص ومخاطر

في محور التكنولوجيا، نوّه قابيل بإمكانات الذكاء الاصطناعي في تطوير قواعد بيانات للمصطلحات، لكنه حذر من الاعتماد الكلي على الترجمة الآلية، مؤكداً أن الهوية الثقافية للمصطلح يجب أن تُصاغ بواسطة البشر. وأيدته في ذلك علياء حامد، المحرر التنفيذي لمجلة "نيتشر" الشرق الأوسط، التي رأت أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد في الشرح، لكن الترجمة يجب أن تحمل بصمة المترجم الثقافية.


الذكاء الاصطناعي: حلّ أم تعقيد؟

رغم الإجماع على أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد في توحيد المصطلحات عبر قواعد البيانات، حذر قابيل من "فقدان الهوية الثقافية إذا تُركت الترجمة للآلة"، داعيًا إلى استخدام التكنولوجيا كأداة داعمة وليس بديلًا عن العقل البشري.


توصيات الجلسة: نحو شراكة عربية شاملة

خرجت الجلسة بتوصيات أهمها:

  1. إنشاء منصة عربية موحدة لإدارة المصطلحات العلمية برعاية مؤسسات أكاديمية وإعلامية.
  2. تدريب الصحفيين على التعامل مع المصطلحات المتخصصة دون إفراط في التبسيط.
  3. تعزيز الحوار بين مجامع اللغة العربية والمترجمين لاعتماد مصطلحات مرنة.


بينما تُختتم فعاليات المنتدى العربي للإعلام العلمي 2025، تظل قضية المصطلحات العلمية شائكة، لكنّ الجلسة أكدت أن التعاون هو المفتاح. كما قال قابيل: "المعركة ليست ضد اللغة، بل ضد التشظي.. والعرب قادرون على الفوز بها".

في تعليقه الختامي، أعرب قابيل عن امتنانه للرابطة العربية للإعلاميين العلميين ولجنة تنظيم المنتدى، قائلًا: "هذه الجلسة كانت منارة حقيقية للعاملين في الإعلام العلمي. ناقشنا تحديات عميقة، لكنّ الحلول ممكنة إذا تعاونت الأطراف. أشكر الزملاء المشاركين والحضور الذي أثرى النقاش بأسئلة ثاقبة. هذه الخطوة هي بداية طريق طويل لإنصاف لغتنا وهويتنا العلمية."


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. طارق قابيل

تدوينات ذات صلة