تم سحب دواء روفيكوكسيب من الأسواق في جميع أنحاء العالم لأنه يزيد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.

تبدأ القصة عام 1999، حين قدّمت شركة ميرك (Merck) الألمانية دواءها الجديد Vioxx والذي يحتوي على المادة العلمية روفيكوكسب (Rofecoxib) كدواء فعّال وبديل أكثر أمانًا من مضادات الالتهاب اللاستيرويدية (NSAIDs) وذلك لعلاج الآلام المتعلّقة بالتهاب الفصال العظمي (بالإنجليزية: Osteoarthritis). ولكن نهاية القصة كانت على غير المتوقع؛ قد تم سحب هذا الدواء من الأسواق في جميع أنحاء العالم لأنه يزيد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية. وما بين البداية والنهاية، سنوضح لكم كيف كانت المراحل المختلفة التي مرّ بها هذا العقار. [1]




Vioxx؛ من مدعاة للفخر، إلى انسحاب ونهاية سيئة

عندما تم اكتشاف الشكلين المتشابهين (بالإنجليزية: Isoforms) من إنزيم سيكلوأوكسجينيز (بالإنجليزية: Cyclooxygenase) وهما COX-1 و COX-2 عام 1990، قد دفع ذلك إلى تطوير المثبّطات الانتقائية على COX-2، والتي يعتبر Rofecoxib أحد أفرادها. إن الميزة المختلفة لهذه المجموعة بالإضافةِ لفعاليتها لتسكين الآلام، هو أنها لا تسبب الآثار الجانبية المتعلقة بالجهاز الهضمي والتي كانت تسببها أفراد عائلة (NSAIDs) من قبل.[2]


في الحقيقة، إن التركيز على أمان الدواء على الجهاز الهضمي مع إهمال وجود الآثار الجانبية الأُخرى، قد استُخدِمت لتسويق أول دواء من المثبطات الانتقائية على إنزيم (COX-2) وهو سيليكوكسيب (Celecoxib). في ذلك الوقت، كان دواء (Celecoxib) في أفضل أوضاعه مثبط ضعيف جدًا لإنزيم (COX-2) وفي أسوأ أوضاعه ليس أفضل من أفراد عائلة (NSAIDs) الأخرى بالإضافةِ إلى أنها أقل سعرًا منه. عندما تم تطوير دواء (Rofecoxib) بعد ذلك وقد كانت ميزته الأساسية أنه أكثر انتقائيةً على إنزيم (COX-2) بالإضافةِ إلى الدرجة العالية لأمانه وسلامته على الجهاز الهضمي كما أوضحت دراسةVIGOR ، فقد تم التشجيع على استخدامه بشدّة. إن بيانات هذه الدراسة التي تم ذكرها سابقًا حتى قبل أن يتم نشر نتائجها بشكلٍ رسمي في (New England journal of Medicine) كانت كافية حتى يتم الموافقة على استخدامه من قبل مديرية الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) مما أدى للحملة التسويقية الضخمة الناجحة لهذا الدواء حينها.[2]


قد تم تجاهل حقيقة هامة جدًا في تقرير دراسة (VIGOR) وهي أن دواء Vioxx يحمل خطر الإصابة بالجلطات القلبية أكثر بخمس مرات مقارنةً بالدواء الآخر الذي تمت المقارنة به في الدراسة وهو نابروكسين (Naproxen)، وعندما تم الاستفسار عن هذا الأمر الغريب، وضّح مؤلفون الدراسة (Authors) أن هذا الخطر المضاعف بخمس مرات لدواء Vioxx كان نتيجة أن الدواء المُقارَن به في الدراسة يحمل تأثيرًا واضحًا بحماية القلب، فكان هذا هو سبب الفرق. بالرغم من أن هذا التفسير لا يعتمد على دليل سريري أو نظري واضح، إلا أنه كان ظاهريًّا سببًا مقنعًا بالنسبة لمديرية الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في ذلك الوقت، ولكن وبعد نشر نتائج الدراسة كاملة قد تم دحض هذه النقطة والرد عليها من قبل العديد من المؤلفين. [2]


القادم يدعو للمزيد من التعجب، وهو أنه بالرغم مما ذُكر، فقط في نوفمبر من عام 2002، وبشكلٍ أدق بعد أن وصل ربح الشركة إلى 4 بليون دولار أمريكي من الدواء، ألزَمَت (FDA) شركة (Merck) المُصنّعة بإدراج الخطر على القلب والأوعية الدموية المتعلق بدواء Vioxx ضمن المحاذير في النشرة الدوائية. لربما نتسائل عن سبب هذا التأخير، ولكنه بَقِي غير واضح.[2]


بالرغم من المحاولات المتكررة للمُصنّعين لتأكيد أمان الدواء على الجهاز القلبي الوعائي، إلا أن تحليلًا تلويًا (Meta-analysis) للبيانات أظهر أن دواء Vioxx يرتبط بخطر أعلى للإصابة بالجلطات القلبية، ارتفاع ضغط الدم، قصور القلب وحوادث الانسداد التجلّطي. إن الحد الفاصل الذي أدى إلى سحب الدواء من الأسواق نهائيًا هو دراسة APPROVe؛ والتي تمّت لتوضيح ميزات مثبطات (COX-2) الانتقائية على تحوّل الخلايا السرطانية في الزوائد (Polyps)، حيث أثبتت أن تناول Vioxx يعرضك لخطر أعلى بالإصابة بالجلطات القلبية.[2]



وقفات في رحلة حياة دواء Vioxx

في وقتٍ قريب من موافقة FDA على دواء Vioxx في 1999، أطلقت شركة Merck المُصنّعة دراسة كانت تتمنى من خلالها إن يتم إثبات أن هذا الدواء يتفوّق على الأفراد القديمة من عائلة NSAIDs بارتباطه بمشاكل أقل على الجهاز الهضمي. ولكن ما حدث هو أن هذه الدراسة قد أثبتت أن الدواء يمكنه أن يكون قاتلًا من خلال ما يسببه من جلطات دماغية ونوبات قلبية. ما بين انطلاق الدواء وانسحابه من السوق بعد 5 سنوات فقط من وجوده، إليكم أبرز المحطات التي مرّ بها الدواء:[3]

  • نوفمبر 1998: طلبت شركة Merck من FDA الموافقة على الدواء، حيث تم اختباره على 5400 شخص ضمن 8 دراسات.
  • يناير 1999: أطلقت شركة Merck دراسة VIGOR والتي أجريت على أكثر من 8000 مشاركوهي أكبر دراسة تم إجرائها على الدواء، حيث كان الدواء الذي تمت المقارنة به هو نابروكسين Naproxen. كانت الدراسة تهدف بشكل رئيسي لتوضيح أن الدواء أكثر أمانًا على الجهاز الهضمي مقارنةً بنابروكسين.
  • مايو 1999: منحت FDA الموافقة على الدواء مما جعله متاحًا للاستخدام عن طريق الوصفة الطبية.
  • أكتوبر 1999: تمت الجلسة الأولى لمجلس مراقبة البيانات والسلامة (DSMB: Data and Safety Monitoring Board) لدراسة بيانات دراسة (VIGOR)، حيث أظهرت بأن المرضى الذين تناولوا دواء Vioxx تعرّضوا لنسبة أقل من التقرّحات والنزيف في الجهاز الهضمي مقارنةً بنابروكسين.
  • نوفمبر 1999: تمت الجلسة الثانية لمجلس مراقبة البيانات والسلامة (DSMB)، حيث تم التركيز فيها على مشاكل القلب. حتى هذا الوقت، كان هنالك 79 مريض من أصل 4000 ممن تناولوا Vioxx قد أصيبوا بمشاكل في القلب أو انتهى بهم الأمر إلى الموت. صوّت المجلس على إكمال الدراسة وعدم إيقافها لأنه مع أن الأمر مقلق إلا أن الأعداد قليلة.
  • ديسمبر 1999: حتى هذا التاريخ، تضاعف خطر الإصابة بأمراض القلب عند تناول Vioxx مقارنةً بنابروكسين. صوّت المجلس على استمرار الدراسة، ولكنها قررت بأن شركة Merck تحتاج لتطوير خطة لتحليل نتائج الدراسة الخاصة بالآثار على الجهاز القلبي الوعائي قبل نهاية الدراسة. لاحقًا، فسّر المجلس قراره باستمرارية الدراسة بأنها لم تستطيع تحديد أن Vioxx هو السبب الحقيقي لمشاكل القلب أم أن نابروكسين يعمل مثل الأسبرين ذات الجرعة المنخفضة فيقوم بحماية القلب؛ مما يعكس ظاهريًا أن هناك خطريتعلق بدواء Vioxx بسبب المقارنة.
  • مارس 2000: رفعت شركة Merck أوراق دراسة VIGOR لمجلة (NEJM: The New England Journal of Medicine) حتى يتم نشرها. ولكن قد شملت البيانات 17 من أصل 20 نوبة قلبية حصلت للمرضى.
  • يوليو 2000: في مذكرة كتبها أحد أخصائيين الإحصاء في الشركة إلى أحد العلماء أشارت إلى وجود 3 نوبات قلبية أخرى لم تتم الإشاة إليها من قبل وقد عانى منها المرضى الذين تناولوا Vioxx أثناء الدراسة. ولم تخبر الشركة ال FDA بهذه الحالات الثلاث الإضافية إلا في شهر أكتوبر؛ أي بعد حوالي 3 أشهر.
  • فبراير 2001: نشرت FDA بيانات دراسة VIGOR كاملةً على موقعها الإلكتروني بما فيها الثلاثة نوبات القلبية الإضافية.
  • يناير 2002 وحتى 2004: تمت مجموعة من الدراسات المتنوعة والتي ركزت على زيادة دواء Vioxx من المشاكل القلبية.
  • سبتمبر 2004: سحبت شركة Merck الدواء بعدما أظهرت دراسة APPROVe خطر الإصابة بالنوبات القلبية بعد 18 شهر.
  • مايو 2005: أدركت مجلة NEJM أنه قد تم خداعها من قِبَل شركة Merck، وأنه على من قدّموا البيانات والأوراق أن يكشفوا عن عن البيانات الإضافية الاخرى.

لاحقًا قد تم رفع الكثير من الدعوات القضائية على شركة Merck، حتى أنها أعلنت عام 2007 أنها ستقوم بدفع 4.85 مليار دولار أمريكي لإنهاء الآلاف من من الدعوات القضائية ضد مسكن الآلام، الدواء Vioxx.



ما هي الدروس التي تقدمها قصّة Vioxx؟

إن هذه القضية لم تسبب الضرر للمرضى وحسب، وإنما أصبح هنالك تساؤل متكرر عن مدى الثقة التي يمكن أن يمنحها المريض تجاه أي دواء جديد، وعند تحليل هذه القضية، نرى أن هنالك خلل من ثلاثة نواحي أساسية؛ النواحي المعرفية، النواحي القضائية والنواحي الأخلاقية. فمن الناحية الأخلاقية، من المفترض أن المبادئ الأخلاقية لها علاقة مباشرة ولا تنفصل عن الممارسة الطبية اليومية؛ أي أنه يجب تجنب الكذب واستغلال المرضى، بالإضافةِ لتجنب الفجوات بين الفكر الطبّي والفكر المادّي.[2]


من الناحية المعرفية، يجب أن يكون هنالك معايير إضافية للتأكد من سلامة وأمان الدواء قبل أن يتم ترخيص استخدامه بشكلٍ مطلق. أضف إلى ذلك أنه على الشركات الدوائية نشر جميع التجارب العشوائية المنتظمة (Randomized-controlled trials) التي تم إجرائها على الدواء، كما عليها ان توفّر المعلومات الخاصة بالآثار الجانبية الضارّة للدواء للعَلَن. إن توافر هذه المعلومات عن الدواء للأطباء الممارسين تمكنهم من تنبيه المرضى عند استخدام الدواء بشأن زيادته لخطر التعرّض للجلطات القلبية 5 مرات مقارنةً بنابروكسين.[2]


ماذا عن علاقة اليقظة الدوائية بقصة Vioxx؟

لو تسائلنا، هل من الممكن تجنب الأعراض الجانبية للدواء الجديد تمامًا؟ والجواب البسيط هو بالطبع لا. ولكن، عندما تكون الأعراض الجانبية شائعة، خطيرة، ويتم ظهورها بشكل مبكّر، فإنه من السهل ملاحظتها أثناء مراحل الدراسات السريرية. أما عندما تكون الأعراض الجانبية أقل شيوعًا، تظهر على المدى الطويل، فإنه من الصعب تتبعها وملاحظتها. من الممكن أن يقترح أحدهم زيادة عدد المتطوعين في الدراسة السريرية المرحلة الثالثة حتى تزداد فرصة تتبع الأعراض الجانبية غير الشائعة، ولكن اقرتاح غير عملي. إن احد الأفكار الجديدة التي بدأ الأطباء في الاعتماد عليها هي اليقظة الدوائية؛ أي أنه فورَ حدوث العَرَض الجانبي، تكون الخطوة الأولى هي تسجيل ما حدث ضمن تقرير، ويتبع ذلك المزيد من الخطوات المهمة والمعقدة.[4]


مع الأهمية المتزايدة لليقظة الدوائية (Pharmacovigilance)، قررنا أن نقوم بعقد كورس احترافي يقدمه مختص احترافي في اليقظة الدوائية على منصة RxCourse وبمميزات عالية المستوى، تستطيع الاطلاع على الكورس للمزيد من التفاصيل على هذا الرابط:

https://www.rxcourse.com/course/drug-safety-pharmacovigilance-certificate-gold-package/#component=course



المصادر:

1. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1779871/, 25-11-2020

2. https://core.ac.uk/download/pdf/159144653.pdf ,25-11-2020

3. https://www.npr.org/2007/11/10/5470430/timeline-the-rise-and-fall-of-vioxx ,25-11-2020

4. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2267386/ ,25-11-2020 https://www.statnews.com/2019/10/09/vioxx-relaunched-treat-hemophilia-rare-dis/

™RxCourse

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

جميل 💡

إقرأ المزيد من تدوينات ™RxCourse

تدوينات ذات صلة