هذا النص سيعرض فكرة، ربما تم الحديث عنها بعدة كتب، و مراجع ،فهي ليست الأولى من نوعها لكن يجدر التنويه لهذه الأفكار بين الحين و الحين .
"الجهل في حقيقته وثنية لأنه لا يغرس أفكارا بل ينصب أصناماً"(مالك بن نبي).
"شخص واحد عاقد العزم يمكن أن يقوم بعمل تغيير كبير، و مجموعة صغيرة من الأشخاص عاقدي العزم يمكنها أن تغير مسار التاريخ" (سونيا جونسون).
قد نختلف أو نتفق على أصل الحياة، لكن من المؤكد أننا نتفق أن المؤثر الأهم، و المباشر في هذه الحياة منذ نشوئها هو الإنسان، ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، و غير الحية، هو قدرته على تكون الأفكار، و
السعي لتحقيقها، فمنذ القدم، ظهرت حضارات، و سقطت حضارات، و كان الإنسان هو سيد هذه الممالك، فعرفنا بمحمد صلى الله عليه و سلم، و عيسى، و موسى_عليهم السلام_، و بفراعنة مصر، و هانيبال، و كونفوشيوس، و أفلاطون، و غيرهم من الرسول، و العلماء، و الفلاسفة، و المقاتلين، لكن ما جعل الكثير منهم يبقى ذكره، و يذيع صيته، ليس لمجرد إبداعه بما وجد له، لكن ما ميزهم، هو مدى تأثيرهم على التاريخ البشري، فمحمد _صلى الله عليه وسلم _، و اخترته لأنه أيا كان الذي سيقرأ هذا النص، إن كان يقرأه بعين العقل، قبل أي شيء، فإنه يعلم الأثر الذي تركه على البشرية قاطبة، و قد بدأ رجل واحد، لم يكن معه سوى معتقده، و رسالته، و تسلسل ما بين سري، و علني، و تقويض أعراف، و أحكام، و عادات، و تقاليد، و بناء أخرى، فلا يجوز الهدم دون البناء، إذا كنت تريد انشأ منظومة تدوم،
فلن تكون حضارة، إن لم يبن نظام فكري مترابط، يهدم النظام الذي سبقه، فهذه المغول، قد تمددت حتى كادت تحكم العالم، لكنها لم تكن سوء جيش من الهمج، فحكمت على نفسها بالهلاك منذ قيامها، وأرى أن ما بين ظهور النظم كفكرة نظرية، و تطبيقه، خمسة و عشرين عاما، ثلاث سنوات بزرع الفكرة في صدور أناس، ليكونوا درعا منيعا للفكرة، و ناشرين لها، و هذا ما تم في فترة ملوك الطوائف، عندما أسست جماعة المرابطين، و كانت بدايتهم اعتزال الجميع، و تعلم الدين الإسلامي بصورته السليمة، ثم تأتي فترة ظهور الفكرة، و نشرها، و إظهارها للقاصي، و الداني، وهنا تظهر فترة الصراع الحقيقي، فهنالك مؤيد، و هناك معارض، وهناك مؤيد لتشابه المعتقد، وهناك مؤيد لاختلافه مع المعتقد الآخر، وهناك معارض لاقتناعه بفكره، و هناك من يعارض للمعارضة، و الكثير الكثير من الغايات، و الأسباب، و هنا تبدأ الحِنكة العسكرية غالبا بالظهور، و في هذه المراحل يبزغ اسم مقاتل شديد البأس، محنك، و يظهر السياسي الناجح الداهية، و تكون أخر مراحل هذه المرحلة هو الهدم لما يسمى في السياسة الحديثة بالدولة العميقة، و هنا إما أن تكون بائتلاف القلوب، أو بالإبادة، لا حلول وَسَط في هذه المرحلة، و في الأغلب يكون قد مضى على الفكرة منذ تطبيقها ثلاثة و عشرين عاما، ثلاث سنوات تلك التي كانت سرية، و عشرين سنة تكون قد كونت قاعدة فعلية مبنية على الشعب، و الأرض، و الحكومة، أي دولة متكاملة، لا تشوبها شائبة، ثم تأتي فترة المطامع، فيريد بعض الأشخاص، الذين رأوا أن الآلية لا الفكرة هي التي أقمت هذا النظام الجديد، بنشر فكرة على نفس سيق الفكرة التي ظهرت، ليجذبوا الانتباه، لكن هذه الأفكار محكوم عليها بالإعدام، لأنها لم تنسج نظام متكامل، وإنما أرادت أن تقلد، دون دراية بأسباب القوة الفعلية، وعند انقضاء هذه المحن، تكون الخمسة و العشرين عاما قد اكتملت، ثم تأتي الفترة الأولى من الازدهار، الأفكار تنتشر، و الأمور تسير كأنها تسير على أرض سهل لا تعرج فيها، ثم تأتي مرحلة الازدهار، الذي تفسد فيها المعتقدات، فسنن الحياة هنا تحكم أكثر من أي شيء
"فلكل شيء إذا ما تم نقصان" وكما الفقر مفسد فإن الغنى كذلك، فيهدم ذلك الصرح، وهذه حال الدول على مر التاريخ، ففي فترة الازدهار الإسلامي، العربي، أو ما يسمى في هذا العصر (بعصر الظلمات)، وصل المجد لما لم تصله دولة في تطور، العلم، و الطب، و كل الحقول بلا استثناء، ثم بَدْء الانحلال الأخلاقي يتفشى، و بنيت دول و أنظمة جديدة، و ظهر ما سمي بالنظام العالمي الجديد، و ظهرت أفكار كالرأسمالية، و الاشتراكية، و الشيوعية، و كلها بالأصل أفكر اقتصادية، و سارت على نفس النهج المذكور أنفا تقريبا، و من الجدير بالذكر إن إحدى أسباب نجاح الرأسمالية على حساب غيرها، ليس إلا لأنها تميل لطبيعة الإنسان الجشع، و حب التملك فأرضت غريزة محببة لدى الإنسان، فأيضا واقعية الفكرة لها دور أساسي في استمراريتها، في الختام أود قول أن الفكرة: هي الأساس المنطلق لهذه الحياة، و ذراعها الضارب في الأرض، هو العمل،
فكما قال شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال إذا ألأقدام كان لها ركابا
ولكن لولا صعوبة الأمر، لكانت الحياة مليئة بالأبطال، وأصبح الشخص العادي هو النادر المنشود.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات