(رأيت أننا لابد من ننظر للذنب بعين جديدة, عين محبة, ذكية, قادرة على التغيير)

يقولون أن "السجن إصلاح وتهذيب" تلك المقولة الشهيرة, وهي ليست دقيقة, الإنسان يخطئ ويصيب, إن أخطأ فذلك منه وإن أصاب فمنه أيضا في الأولى لمس الجانب المظلم في نفسه وفي الثانية لمس الجانب المضئ فيها, كل شئ بداخلنا يسعى للخروج للنور, يسعى لاختبار الحياه خارجنا, لذا نرتكب الخطأ أحيانا, ونسعى لإصلاحه أحيانا أخرى لأن الصواب أيضا يسعى هو الآخر لاختبار الحياة ورؤية النور, الشعور بالذنب.. آاه من الشعور بالذنب.. لطالما ظننا أن صاحبه صالحا طاهرا نقيا لأنه يؤنب نفسه ويجلد ذاته لارتكابه خطأ ما.. لكن في الحقيقة ومن وجهة نظري أن الشعور بالذنب ليس الدليل على الطهر والصلاح, تأمل معي هل من شعر بالذنب توقف عن ارتكاب الذنوب؟ الإجابة لا, قطعا لا, حتى وإن توقف الانسان عن ارتكاب ذنب بعينه إلا أنه يظل يرتكب ذنوب إلى آخر يوم في حياته, والإنسان –أي إنسان- إن لم يكن يرتكب فواحش أو موبقات كبرى فهو حتما يرتكب ذنوب صغيرة بل ويكثر منها, ما أريد أن أقوله هنا, أنه ليس العلاج –يا صديقي- ليس شعورك بالذنب وجلد ذاتك هو الحل لإصلاح ما في نفسك, كم من القرون، كان يحكم على المذنبون بالسجن لسنوات طويلة وأحيانا بالسجن مدى الحياة وأحيانا الإعدام, وفي البلاد التى تطبق ما يسمونه "بالشريعة الإسلامية", كذبا وزورا, يجلدون ويرجمون الزاني والزانية, وعلى المستوى الإجتماعي هناك عقاب نفسي للمخطئ ألا وهو الحكم عليك ووصمك والكلام السئ عنك في ظهرك بل وأحيانك في وجهك, جميعها صور من العقاب المختلف وأعظمهم عقابك لنفسك وهو قلب الموضوع ورأسه "الإحساس بالذنب", والآن هل بعد كل هذا العقاب المادي والمعنوي انتهت الجريمة من العالم؟ هل توقف الإنسان عن الخطأ وارتكاب الذنوب؟ هل أصبحنا جميعا أطهار؟ هل أصبح البشر ملائكة تحيطهم هالة من النور؟ هل توقفت الحروب؟ هل انتهى الغدر؟ هل انتهى القتل؟ هل انتهت السرقة والاختلاس والاغتصاب وتجارة الأعضاء والإتجار بالبشر والدعارة والغش وجرائم النصب والاحتيال؟ هل توقف الدجالون عما يفعلوه؟ هل توقف رجال الدين الملتحين المحتالين المدعين التدين عن تغييب عقول الناس وسرد الخرافات باسم الدين؟ هل توقفوا عن إغراق الدين في وحل الخرافات والمصالح الدنيوية إذ هم المستفيدون الوحيدون من تغييب عقول الناس؟ هل ارتفعت روحانية الإنسان وغلبت ماديته؟ هل اتصل الإنسان أخيرا بخالقه؟ الإجابة لا, قطعا لا.


أي شئ من خارج النفس لا يصلح النفس أبدا، النفس تنصلح منها وبها, بالنية التي يطلقها الإنسان للسماء بأنه يريد الاتصال بالخالق حينها, وجب على تلك النفس أن تتطهر فتكون مؤهلة لرؤية النور واستقباله من مصدره, والنية في التطهير - كما ذكرت- تنبع من داخل الإنسان نفسه وليس من القاضي الذي يحكم على المجرم وليس من المجتمع الذي يوصم المذنب وليس من الأهل الذين يحبونك ولكن حبهم مشروط, فبعد أن ينال المخطئ عقابه أيا كان العقاب وأيا كان ذنبه أو خطأه لا ينصلح, يعيد الخطأ ذاته مرارا وتكرارا لأنه ببساطه لم تكن نية الإصلاح نابعة منه نفسه وأن طريقة الإصلاح ذاتها كانت جلد ومذلة تحمل كراهية ومقت له, فما زادته إلا كراهية لنفسه وإمعانا في ارتكاب الذنوب, لأني لا أظن أن من يكره نفسه يستطيع فعل الصواب إلا فيما ندر.أود أن أتوقف قليلا عند الحكم المجتمعي على الأشخاص, في الأساس المجتمع يحكم على الشخص حتى وإن لم يفعل خطأ, أحكامهم تنتقد حتى الصواب, وكأنه يتمنى لو أخطأت حتى يجدون شيئا يوصموك به, لأنهم هم أنفسهم يشعرون بالعار, تظل أبصارهم شاخصة عليك متربصة ولا استبعد أنهم في الداخل يدعون عليك "يارب يخطئ يارب يخطئ", فبدلا من الاعتراف من نقص فيهم, يبحثون عن شخص يسقطون عليه إحساسهم بالعار والنقص في أنفسهم ويا ويلك لو وقع الاختيار عليك.. فكما نقول بالعامية "كده كده الناس هتتكلم"- "طب ما يتكلموا"..


أما عن أصحاب اللحى, رجال الدين المدعين فهم لهم نصيب الأسد من شعور الناس بالذنب, أولئك الوعاظ, لا تخلى محاضرة لهم أو درس من اسقاط اللوم على الناس, والمضحك أنهم يلومون من؟؟ المؤمنين المصلين الذين يجلسون أمامهم في المسجد ويستمعون لوعظهم "الفارغ", يتفننون في جعل الناس يشعرون بالذنب والتقصير ويجعلونهم يجلدون ذواتهم على التقصير في العبادات أو حتى جلد ذواتهم على "اللاشئ", وكأن التدين يتلخص في شعورك بالذنب وإذا كنا نشعر بالذنب جميعا "فهيا نلتقي في الجنة", هم يبذلون الجهد في ذلك ويستخدمون الآداء التمثيلي ونبرة الصوت الغليظة مرة والنادمة مرة والهزيلة مرة والباكية مرات, والأنكد أن الناس يستمعون لهم ويصدقونهم "عمياني" حتى تاهوا، نعم توهوهم ثم أقنعوهم بأنهم هم المرشدون. لو كان الحكم بيدي لجعلت هؤلاء هم حطب جهنم, ولو كنت قاضيا غليظ القلب لحكمت بقطع ألسنتهم حتى يتوقف التفوه بالهراء, وسرد الخرافات باسم الدين, وتضليل الناس, وتغييب عقولهم وسحب الناس للقاع حيث يقعدون هم وتقعد عقولهم العفنة, لكن من موقعي هذا أقدر فقط أن أنصح الناس بعد الاستماع لهم حتى نترك لها المجالس فارغة فتستمع لهم الجدران.


الخلاصة أن الشعور الذنب هو جريمة في حق نفسك, وأن نفسك هذه لا تستحق سوى الحب ثم الحب ثم الحب, تقبل نفسك وحبها وتعامل معها برفق ولين تستحقه, لأن الله الذي خلقنا هو تقبل منا الخطأ والذنب يا عزيزي لذلك منحنا فرص لا تعد ولا تحصى لنرجع عن الخطأ ونعود, إن أخطأت لا بأس, أهدأ تنفس بعمق, اجلس مع ذاتك وابحث في نفسك عن سبب الخطأ وإذا وجدته عالجه أصلحه بعد أن تتقبله, أخرج الشعور من داخلك, شعور الذنب وضع بدلا منه تقبلا لذاتك وحبا لها, واستغفر الله واطلب منه العون والقوة, واطلق نيتك في إصلاح نفسك وتطهيرها, وهو لن يردك خائبا, اعترف بإنسانيتك التي من طبائعها الخطأ وأن الخطأ هذا هو الذي يقودك للتطهير ويقودك لطرق باب الرحمن الرحيم, فلا تكرهه, فقط تجنبه واسمح له بالوجود, حتى لا يعاندك ويلتصق بك.

مروة جادو

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مروة جادو

تدوينات ذات صلة