نبدأُ جميعُنا حيواتِنا في الدروسِ الوطنيةِ وفن الاحتفاءِ بالرموزِ والشعائرِ المُجتمعيةِ والتقليدية،
وفي خضمِ ذلك ومن سُننِ اتمامها وتقويتها هو إضافةُ التعريفاتِ التي تثبتُ المعنى وتزيدُ صلابته .فمثلاً، هنالك تعريفُ "المُجتمع" الذي قد يكونُ اللبنةَ الأساسيةَ في اي موضوعٍ يشملُ حيّز العادةِ أو العُرفِ أو حتى يوصلُ بالدين ويتغلغلُ، فنظلُ نرددُ قائلين وراءَ مُعلمِ التربيةِ الوطنيةِ والأم في بيتنا :"جَماعة من الأفرادِ يرتبط أعضاؤها في ما بينهم بمَصالِح ورَوابِط مُشتَرَكة." ذاهبينَ عائدين وبانينَ عليها قواعدَ صارمةً و حدودًا لعلاقاتنا مع ذوينا وأبنائِنا، متجاهلينَ مُعيقات تلك الكلمة وما لها من أثر!
فلو أمعنا وبدأنا بطرحِ الأسئلةِ وسمحنا لتيارِ فضولنا بالاقتحام " فالتياراتُ لا تتسللُ إنما تفرضُ وجودها " وقلنا :
. إذا لم يكن هنالك جماعة.. هل من مجتمع ؟
. إذا لم تكن هنالك روابط مُشتركة.. هل من مجتمع ؟
وأخيرًا سؤالٌ ذكي،
. هل هنالك فرقٌ بين كوننا "فردًا"في المجتمع أو "إنسانًا" ؟
لو رجعنا لجذرِ الكلمة وتعمقنا بها "المجتمع"، سنجدُ اسم المكان بمعنى "المجلس" وسنجدُ "اجتمع بهِ/ معه بمعنى " التقى أو قابلَ "، فهل هذا كافٍ لنفي تعريف الكلمة ؟
أي أنهُ ليسَ من الضروري أن كل مكانٍ يجتمعُ فيهِ عددٌ أو يلتقون،يكونون بالضرورةِ مُجتمعًا .
مع ذلكَ فإننا لا نملك الحُجة القائمة لقولنا "أن كل أفرادِ المُجتمعِ يتفقون على ذاتِ الشيءِ من الأمر أو يختلفون فيه"، فهذا مَوضِعُ جدالٍ لا نتاجَ منهُ ولا هدف .
في قولِ الله عز وجل في القرآن الكريم " إن إبراهيم كان أُمةً" ومعنى أُمة "جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ تَجْمَعُهُمْ رَوَابِطُ تَارِيخِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ، قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَا هُوَ لُغَوِيٌّ أوْ دِينِيٌّ أوِ اقْتِصَادِيٌّ وَلَهُمْ أهْدَافٌ مُشْتَرَكَةٌ فِي العَقِيدَةِ أَوِ السِّيَاسَةِ أَوِ الاقْتِصَادِ الأُمَّةُ العَرَبِيَّةُ الأُمَّةُ الإسْلاَمِيَّةُ" " والرجلُ حَسنُ الخِصال والخُلق "، لكن القرآن ذكرها لإبراهيم عليهِ السلام، وكأنهُ يقول أنهُ وبإستطاعةِ المرءِ أن يبني مُجتمعًا كاملاً ببناءٍ جديد من خِصال جديدةٍ فلا حاجة لوجودِ عددٍ من "الناس"كأساسٍ لتلك الفكرةِ الوليدة .
وهُنا نصل إلى الفرقِ بين "الانسانِ/الفرد"، فلم قد يكونُ هنالك فردٌ ويكون هنالك إنسانٌ في ذات المكان والوقتِ ؟وما الفرق ؟
الفَرْدُ : واحد، وتر، متوحّد، وحيد، منفرد . هذا قولُ المُعجمِ أما إذا تعمقنا في فهمنا وربطنا هذا التعريف بكلمة الإنسان : الكائن الحيّ المفكر.
فالفرقُ واضحٌ تمامًا !
أن تكونَ فردًا في المجتمعِ بمعنى التفرُدِ والاعتزالِ والوِحدة يُحتم عليكَ ألاّ تُشاركَ - المجموعةَ- إلاّ في كونكَ رقمًا "وَلِلغةِ الأرقامِ حديثٌ طويل".
أمّا أن تكونَ إنسانًا صاحبَ فكرةٍ وعملٍ و مُعطياتٍ و نواتجَ تقولُ كلمةً من هُنا وتسمعُ أُخرى هو المعنى الأدقُ المرتبطُ بالمجتمع .
نُلخص الموضوع: يستطيعُ الشخصُ الواحد أن يكونَ مُجتمعًا، و لتكونَ فعّالاً في المجتمعِ عليكَ أن تكونَ "إنسانًا"، يخطُر هُنا سؤالٌ مراوغ قائلاً :
إذا وددتُ أن أكونَ إنسانًا، لكني لا أنتمي لفكرِ المُجتمعِ الذي يُحيطُني " أي الجماعة" هل أكون بذاك فردًا ؟ أم مُنشقًا ؟!
هُنا الإجابةُ المُتراوحةُ بين " علم الأفكارِ وعلم الأشياءِ وعلم الأشخاص" ولكن بإختصارٍ غيرِ مطولٍ، بلى تقدر، ليسَ معنى ألاّ تكونَ في "مكانك" ألاّ تكون !
الآن دورُ عمل أولئك "الناسِ" الذينَ أطلقنا عليهم لفظَ " المُجتمع" الذينَ يحملونَ نفس الأفكار، كيف يظلون ؟ إذا ماتوا .. أوتظلُ فكرتُهم ؟
نقولُ قولاً مشهورًا "للأفكارِ أجنحةٌ تطيرُ بها " أو "الأفكارُ لا تموت "، فنعم ولا .
نستطيعُ أن نبني فكرةً جديدةً يتبعها بناءٌ جديدٌ وأُناسٌ جُدد ونستطيع أن نَحفظ فكرةً قديمةً بمكانٍ جديد، وذلك يرجعُ إلى متطلباتِ المُجتمعِ والعوامِل الخارجيةِ والداخلية، لكن المغزى أن فكرةَ دمج كلمة " الروابط المشتركة" وتأكيدِ ثبُتيتها -عند البعض- يُساهمُ وبشكلٍ جديّ بقتل روحِ مجتمعٍ مُتجدِدٍ.
أما فكرةُ الوعد والوعيد وهي المُنتظرةُ في هذا المقال وهي الأهم وما تم قولهُ سابقًا هو تمهيدٌ لهذهِ الفكرة :-
هُنا إجابةُ " من أين يبدأُ المُجتمع؟"، وهذا السؤال نُقطةُ خلافٍ طويلةٍ نَحصرُها بين "التعارضِ والتحدي" و بين الفكرةِ الإسلاميةِ " الوعدِ والوعيد" فحسبَ قول العلماءِ والمؤرخين- وما هو منطقيٌّ- أنهُ ولبناءِ مُجتمعٍ ولتنظيمِ علاقاتِ شخوصهِ لابد لنا من دافعٍ لخلق تلك العلاقةِ من الأساس - ولإدامتها لأطول فترة- !
فيضعنا الإسلام بين آيتينِ :
. "فلا يأمنُ مكر الله إلاّ القومُ الخاسرون" وعيد
. "إنه من ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون" وعد .
وفي الوعدِ نذكرُ سيدنا بلال بن رباحٍ رافعًا إصبعهُ واحدًا مُردِدًا : أحدٌ .. أحد "، لانهُ عرف معناها وتشبعت روحهُ بذلك المعنى حتى وإن لم ترهُ بالمعنى الملموسِ "كالجنةِ و الثوابِ".
فذاكَ زمنُ الوِحدةِ الإنسانيةِ بأُناسٍ تشبعوا معنى الوعدِ و آمنوا بقوةِ الجماعةِ، لا بمجتمعٍ مُتمزقِ الأفراد غني الفكِرة كيومنا !
المقالُ مستوحى من كتاب " ميلاد مُجتمع - مالك بن نبي- الطبعة الأولى 1962 بكتابتي .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات