مُحاولَةٌ لتصحيح مَسار الصّوم، بتصحيحَ المَعاني، والوقوفِ عَلى ما وراء اللّفظ.
في اللحظَة التي سَلّم فيها الإمامُ مُعلِناً انتِهاءَ القيام، وكَكُل المُصلين وقفتُ واستَدرتُ هامّاً بالخُروج، إلّا أنّ صوتَ مَن قامَ مُتعجّلاً رَنّ في أُذني بَعدَ أن تَشَكّلَ عَلى صوتِ صَدىً: أن تَبَطّأ وأطِل المُكث، وصَريرُ الباب الذي تدفَعه الأيادي المُتتابعَة عُنوةٌ خارِج المَسجِد يَقول: إلهي إنّي نَذرتُ الاعتكافَ فأخرَجوني إلى دُنياهُم.
فاستَدرتُ أخرى عَكس عَقارِب الساعَة مُستجيبَاً؛ حينَها وقعَت عيني عَلى تَقويمِ المَسجِد إذ قامَ الإمامُ ونَزَع ورقَةَ العاشِر مِن رمضان !. ويَكأنّها رسالَة الله لي أن الثُلثَ قَد تَم فأينَ أنتَ ؟ تَبَطّأ فالثُلثُ كَثير .’!
فَجَلستُ_كَعادَتي_ بينَ يَدي القَمرِ مُخاطِباً، يا وليدَ العَشرِ الأولى: أما زِلتَ _كما مَضى_ تَعُدّ الأيام لِفرحَةِ عيدِ اكتِمالِك، وتَنشُر في الدُجى بَسمات النّور عَلى تَسارُع الليالي!
أيُّها القَمَر: تَعال نَتدارَس المَعاني لِنَعي الأفعال، ونُشعِلُ نورَ العاداتِ بِفقه الإعادات، ونَرسُم في كُلٍ هَمسٍ قَلباً، نُراقِب مِنه نَبضَه، استِشعارَه، استِشارَته وانتِشارَه؛ اقتَرب فإنّنا لَن نَفهَم مَعنى الحَياة بِنجاةِ نوحٍ ومَن مَعه دون تحويلِ القصّة إلى مُفرداتِها ألواحًا ودُسر، و من كُلٍ زوجين. في مُحاولَةٍ لنَرسُم للثُلثينِ طَعماً آخَر لمَن كانَ ذوّاقَاً بقلبِه، رفيقَاً مُتلَطّفاً بروحِه، هامِساً لأناه إنّ لي ظِلًّا سَبقني إلى الجَنّة !
أيّها القَمر، خُذني مِن أرضي، سافِر بي إلى عَليائِك، إنّي أتوقُ إليّ بِصبغَةِ عارِفٍ، حَتّى وإن عَجزتُ قالت مَلائِكَةُ الله _ وهو أعلَمُ سُبحانَه _ شَفّعه باختيارِ الطريق وإن لَم يَسلُك.
هُنا اجمَع يديكَ إلى يدي؛ لنَدعو الله أن يَقسِمَ لنا في هذا الحَرفِ نورًا يُشِعُّ لَنا بقيّة الطَريق.
لنبدَأ بالصَوم: سَنُخرجه مِن مَعناه المَعروف، ولنُجرّب أن نَعيشَ الصَّوم عَلى أنّه سَفينَةُ النَّاجين، وفي كلامِ الله " الصَومُ لي " كُلّ الوجهَة والمَقصِد، فَيكونُ أذانُ الفجر الأول بِشارَة أن اركَب مَعنا، ونِداء الغُروب فَرحَة ربانيّة لَن نُدرِكَ كَنَنها إن لَم نَستَمتِع في رحلَة الصَوم فَنَلِجَ أعماق النّفسِ ثُمّ نَسرَح في فَضاءاتِ الله.
أيُّها القَمر فَلنَجعَل مِن القِراءَة بوابَة سَفَر، ولْنحوّل قِراءَة القُرآن إلى قُرّة: فَننفُخ بينَ سُطور الآياتِ الروحَ لنُحيي الأموات مُخاطبين:
يا هُدهُد سُليمان أعطِني مِن سِر جِبلّتك في هَم تبليغ الدَعوَة.
ويا حوتَ الأرض أسمعني كيفَ تُسبّحِ الله ونَعجَز!.
ويا نَملَة فَهمَت مَعنى القيادَة فنبّهت بعد أن انتَبهَت دُلّينا كَيفَ نواجِهُ مَشاكِل الحياةِ بِثِقَة.
ونكونُ بالقِراءَة وقّافين؛ فَنقف عندَ ما يُحِبُّ الله، نَستَشعر دِفء الآيات، ونَعوذ بالله مِن النّار إذا اشتَعلَ ذكرُها وأحسسنا بِحرّها حينَ نَقرأ.
تَعالَ نُتابِع المَسير فَنفهَمُ أنّ أصلَ الدُعاء اليَقين، فنتيَقَن أن الله لا يُغلِقُ بابه، ونَحذُر مِن أن نَنشَغِلَ بالطَلبِ عَن جماليات الوقوف عَلى باب الله، أو أن تَطغى الحاجَة منّا حَلاوَة مُناجاة الله.
هَلُمّ بِنا نُعيد تَعريف القَشعريرَة بأنّها نَظرَةُ الله إلى قَلبِك فَهزّتك.
دعنا نَجعَل من الدّمع طَهوراً في أولِ سَطره " هذا مُغتَسلٌ بارِدٌ وشَراب "، " فللبُكاء تَنعَقدُ صَلاةُ الروح " !
ونُغيّر عُنوانَ الأزمانِ فيكونُ ثُلثُ الليل الآخِر ميدانَ القُرب إذ يَتجلى الله جَلّ وعلا إلى الأرض، فيكونُ للذكرِ حلاوَة، ولِقراءَة القُرآن طَراوَة، وللدعواتِ استِجابَة.
أيُّها القَمر بِهذا نَبدأ رِحلَة الثُلثين آملينَ في رحلَة الصَوم " بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا "، فَنُكتَب في مِحرابِ المَحبّة والقَبول والعتق.
اللهُمّ أعِن وتَقَبّل.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
لله دَرّ حَرفِك
لله دَرّ حَرفِك
رائع 🌺