في عقلي الكثير من الكلمات التي تتخبط في بعضها البعض، وها انا اسردها اليك، واليوم سوف اخبرك ماهية شعور الإنطوائي في زمن الكورونا



اجلس وحيداً في قُعرِ ذاتي، أنظر حولي وأراهم عابسين، مكتئبين وكاظمين للغيظ، ولكني لا استطيع الشعور بالحزن عليهم، فأنا كنت اسير لهذا الشعور طوال حياتي، قد اعتدته ولم اعد أراه بمنظور سيئ، لم يكن هناك من شعر بالأسى علي، لم يفقدني احد، لم يفهمني أحد، ولكن لم أحزن ولم اشعر بالأسى على نفسي، فأنا في ملاذي، بعيداً عن كل ما يزعجني وكل ما يؤرقني، فالوحدة هي علاج للروح، هي سكينتي، ولكن لسنا جميعاً من نفس الطينة، فطينتي خلطت بماء مالح لبحر كبير مليء بالأحزان فهي دموع، أما هم فقد خلطت طينتهم بماء عذب حلو، وعليه فهم لا يستطيعون فهم هذا الشعور.


يسقطون كالسكارى على ما فات، متراميين على وسادتهم منتظرين يوم الخروج، يوم الانفتاح الكبير، ولكني سعيد، فللمرة الأولى في حياتي أرى ان الجميع يعيش حياتي، كلاٌ في فقاعة ولكن على بعد اقدام من بعضهم البعض، لا يوجد سبب للتواصل ولا للتلامس الجسدي، نتكلم من خلف قناع بدون ان نرى الابتسامات الصفراء، بدون أن نبذل أي مجهود للتمثيل، للمرة الأولى لن يكون علي أن اصطنع ابتسامة، للمرة الأولى سأكون على حقيقتي، فأنا لا احب التفاعل البشري، استمتع في النظر من الخفاء ومراقبة الأحداث، فدور البطولة ليس لي، فأنا فقط اكتب وانظر اليهم وهم يتقنون اداورهم كما كتبت.


لا احبذ التلامس الجسدي، يؤرقني ان أُلمَس من شخص لا اعرفه، كأن هذه اللمسة تغتصب كياني وتلوث روحي المقدسة من دون أي اذن، ولكن انا سعيد الآن، سعيد لان الجميع يتحاشى هذه الوسيلة للتواصل، فهذه العادة أصبحت خطراً كأنها قبلة الموت. هذا هو وقتي، فلقد تدربت على هذه الحياة طوال حياتي، تدربت لان أستطيع التغلب على جميع هذه المشاعر المتخبطة بالغضب واليأس والوحدة، فانا أمارس التباعد الاجتماعي منذ ولادتي.


انه لشعور غريب أن أكون سعيداً بحدوث مصيبة عالمية فرضت على الناس جميعاً اسلوباً جديداً للحياة، ولكن مجددا، الآن لن يستطيع أحد ان يتساءل عن شعوري، فالكل الآن يعرف ما هو الشعور بأن تكون وحيداً، بان تكون انطوائيا، يفهمون المبدأ ويفهمون المعاناة، بل يفهمون أننا لسنا مختلفين، كلنا سواسية، بغض النظر عن مكان أقامتك، لونك، عرقك او طائفتك، فكلنا حبسين أنفسنا الآن.


فأنا انطوائي، انا لست مريضاً، انا لست وحيداً فلدي نفسي، لست بحاجة لكيان بأن يكملني، او شخص ليملئ فراغاتي، فقد ترعرعت في الظلام، في الوحدة الدامسة ووجدت نفسي، اعتنقتها وأحببتها، فلا تقلق سوف تخرج من هذه الحالة قريبا، سيعود كل شيء الى ما كان عليه ولكنك لن تعود كما كنت.


انطوائي في زمن الكورونا 84596807906002240


لن تعود كما كنت، ولن اعود كما كنت ولكن العالم سيعود كما كان.

ما أجمل ان تتخبط في ذاتك الى ان تجدها، ولكن لا تيأس، فكل مُر سيمُر.




عبدالله الهباهبة

إنطوائي خلف الشاشة

مؤسس موقع الحبّري | Inklicist


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

انا انطوائي وكل كلامك حقيقي لكن لماذا نحن هكذا بشخصية غامضة للبشر

إقرأ المزيد من تدوينات عبدالله الهباهبة

تدوينات ذات صلة