الإنتقادات لك الحق في قبولها او رفضها بعد ان تستمع لها. تقبل النقد البناء اول خطوات الانتصار.

قالت أمي ذات مرة: " الشخص الذي يكنز ليك الخير هو وحده من يستطيع أن يناقشك في الجانب السلبي من شخصيتك. لأن التجرأ على الحديث في نواقصنا ينبع من الإهتمام و الإرادة القوية في رؤية الأخر في حالة أفضل. و كل من إستمر في مدحك طويلا دون أن يناقشك بنصيحة أو نقد لنواقصك، إعلم أنه يجاملك و لا تهمه إن إنكسرت بسبب تلك النواقص. لا تحزني عزيزتي حين أحدثك عن ضرورة صقل سلبياتك فذلك كله لرؤيتك تتقدمين للأمام و تتميزين."

ربما تلك الظنون بأنني مسؤولة عن ذاتي و راضية عنها بسلبياتها و إيجابياتها، جعلتني أشعر أن أي إنتقاد أو نصيحة أو توجيه هو تهديد لكبريائي و خصوصياتي و تقليل من شأني. الإنسان بطبعه تراوده مشاعر الإنتشاء و السعادة السريالية حين يعد الأخرين نقاطه الإيجابية و يستمع لها بإطمئنان و تركيز. لكن في الجانب الأخر من الحكاية كل من تكلم بما لا يرضينا نتجاهله و نسجنه في خانة الأعداء المتنمرين. هذا بالضبط ما يجعلك تحب ولوج حصص اللغات الأجنبية لأنك تتميز و تحصل على الإطراء سواء كان داخليا نفسيا أو خارجيا. لكن ماذا عن حصص العلوم أو الرياضيات، ربما لأنك ثقيل الفهم و غير مهتم بتطوير ذكائك الرياضي تتعرض للكثير من النقد و كل هذا يولد الكراهية و الإندفاع السلبي و تبدد الراحة النفسية. رغم أن تلك الملاحظة تصب في صالحك و تسير في إتجاه جعلك أفضل.

وما و أبدا عندما نقدم ملاحظات و نصائح للأخرين نلمس أنهم يرفضون تقبلها بأريحية و عفوية، لكن عندما يتم وضعنا في الجانب المعاكس من القصة نشعر أن من يبدي الملاحظات لا يجيد تقدميها و أنه متعسف و يتدخل في شؤون تبعد عنه الأميال. هناك وحوش في دواخلنا تنهشنا دوما بسبب تلك النواقص التي نعلم أنها تضرنا و تخنقنا بالأغلال. لكن في الوقت نفسه نخاف على الكبرياء، الكرامةو تجنب جرح المشاعر. رغم أن الملاحظات سواء كانت نابعة من شفاه من يدفع بك للثورة على النواقص و خلق أفضل نسخة من ذاتك، أو كانت أشواك تلفظ بها أعدائك، فهي لا تمس بكرامتك أو يجب حتى أن تجرح مشاعرك. كل تلك التوجسات السلبية التي تلتبسنا أثناء حديث بريئ من الأقنعة الحربائية هي جراء لمس أسوأ الجوانب في شخصياتنا. ذاك الغضب و الإنفعال أعراض جانبية للآليات الدفاعية النفسية. لو حاولنا مرة إسكات أحاديثنا الداخلية، توقعتنا الأولية، أعصابنا الهائجة و الإستماع إلى النهاية، ستجد أن الخاتمة ستثني عليك و ستشد بيديك لتتقبل المقدمة التي كانت تبدو قاسية.

المشكلة التي نعاني منها جميعا هي تعاملنا الفظ مع ملاحظات الآخرين على أنها شيئ غير مرغوب من الأساس. حتى لو كانت الترياق و الدافع لبلوغ الهدف و تنمية شخصياتنا.أو ربما الرفض القوي مطرقة إمتلكت قوتها الوهمية من التداخل الذي خلفته لنا كتب التنمية البشرية. لم نعد نستطيع قنص الفروقات بين من ينتقدنا لأنه يكرهنا، يريد كسرنا و رؤيتنا نتألم في الحضيض، و بين من يحمل ضغينة لكل تلك الأشياء التي سبب في شخصيتك نواقص. الضباب قد يكون في الهودج لكن نسنطيع إسقاطه و الحصول على الصفاء لنرى الواقع من الوهم.

الإنتقادات في بدايتها يكون لها وقع قوي في دواخلنا، كماء بارد على نار التشويش و التغافل. تتغلغل فكرة التصديق بوجود تلك النواقص التي لطالما كانت مصدر الوجع و وهن الصحة النفسية و القوة الداخلية. دماغك يضعك تحت الرقابة و يذكرك بمحاولتك في تسويف الإصلاح و حائط الوهم الذي بنيته بينك و بين أغلاطك و نواقصك يتساقط و يثناثر و تكتشف شناعة الظل الذي تعيش فيه. حين تنتصر على ذاك الإحساس هي لحظة الإنتصار و الإحتساء الأول من كأس المجد. و بعدها ستتخلى مرة بعد مرة على شرنقتك السوداء و تقبل الحياة و كلك يقين أنك سوف تتفوق عليك و تكون أفضل من أنت.


إقرأ المزيد من تدوينات مدونة رفوف

تدوينات ذات صلة