الملحمة الوطنية التي سجلها الشعب المصري بعبقرية بعدما اعتنق مبدأ دعم البحث العلمي واستخدام الابتكار المصري، شاهدا على قدرة شعوبنا الابتكارية اللامحدودة
لقد سبق الرئيس المصري السابق أنور السادات عصره عندما أدرك أن قوة الجيوش والدول لا تكمن فقط فيما تمتلكه من أسلحة و أموال، وانما بقدراتها على استخدام وتوجيه التكنولوجيا الحديثة لدعم الابتكار لخدمة الاداء الوطني والعسكري، و أننا نعيش فى عالم لا تتحدد فيه مقاييس الكفاءة والقوة والثراء بالمعايير السياسية والعسكرية والاقتصادية فحسب، وإنما دخل معيار جديد وهو معيار العلم والمعرفة و البحث والابتكار، وأن الاستعداد التكنولوجي اصبح مكافئا للاستعداد القتالي، وأن البحث العلمي والتطوير التكنولوجى لابد أن يحظى بالتخطيط والتدريب والتقييم بنفس القدر الذى يناله النشاط العسكري المباشر. فأيقن ان النصر على العدو قد رهن باستراتيجية جديدة للتعليم والبحث العلمي تتوافر لها آلياتها وأدواتها في شكل قاعدة تكنولوجية لا تقتصر على المعدات وإنما تنطلق من القدرة على إعادة بعث غريزة التفكير والبحث والابتكار لدى المواطن قبل الجندي!وبالتالي لم يكن الجيش الذي واجه النكسة العسكرية فى67 هو نفسه الذي انتصر في 73. فقد أعيد بناؤه في إطار فكر جديد ومبتكر قائم على استخدام كل التكنولوجيا الحديثة والموارد المتاحة والأهم العقول المصرية المبتكرة فى منظومة منسجمة لتحقيق النصر. لقد كانت الخطة العملية العسكرية لعبور القناة تتضمن أبحاث عديدة في علوم كثيرة منها علم الفلك والظواهر الطبيعية (لدراسة حالة الجو والمد والجزر وحركة الرمال والقمر فوق القناة وسيناء طوال العام). لتحديد أنسب الأوقات للهجوم والقتال وكذلك العلوم الجيولوجية والعلوم الهندسية والتكنولوجية الحديثة.لقد مارست القيادة العسكرية أثناء الاعداد للحرب فكرا تجريبيا خلاقا، يبحث عن الابتكار المصري من خلال العديد من التجارب، واعتمدت ليس فقط على جهد العسكريين المصريين بل على فكرهم ومعارفهم وعلومهم وخبراتهم بالإضافة إلى جهد العشرات من عمالقة المهندسين في كل الجامعات المصرية. ومن أعظم الابتكارات التي تم استخدامها في حرب اكتوبر، لحل أحد المعضلات الكبرى فى عملية اقتحام خط بارليف (الخط الذي أطلق علية خط برليف المنيع)، هو كيفية فتح ثغرات فى الرمال التى لا تؤثر فيها الصواريخ، لعبور ناقلات الجنود والمدرعات والدبابات إلى سيناء. وقد جاءت الفكره العبقرية المصرية من اللواء أركان حرب المهندس باقي زكي يوسف، والذي أحضر التفاصيل الهندسية لخط بارليف عن طريق رفعت الجمال "الشهير برأفت الهجان"، وكانت الفكرة عبارة عن استخدام طلمبات السد العالي التوربينية لهدم الساتر الترابي لفتح ثغرات فيه لإرساء الكباري. وقد عقد إجتماعات مشتركة بينه وبين المهندسين العسكريين وممثلي القيادة العامة وأساتذة كليات الهندسة في الجامعات المصرية ، ليناقشوا الفكرة ويطوروا أبحاث دولية بهدف إيجاد معادلة جديدة تجيب عن السؤال الآتي: كم يحتاج كل متر مكعب من التربة من المياه لهدمه، وكم يستغرق من الوقت لتحقيق ذلك؟ فأقاموا ساتراً مماثلاً على مانع مائي يماثل مانع قناة السويس، بجوار القناطر، وأجروا 322 تجربة عملية للتحقق من نجاح الفكرة. وبالرغم من أنه كانت كل الأبحاث العسكرية الدولية وحتى الخبراء الأمريكان والروس يؤكدون -وحتى ما قبل 6 أكتوبر بأيام قليلة- أن إقتحام الساتر الترابي لقناة السويس وإقامة كباري للعبور لابد أن تستغرق 48 ساعة لدى القوات التي تتمتع بأقصى كفاءة عسكرية ولديها المعدات التكنولوجية الحديثة ، لكن العبقرية الهندسية المصرية اختصرت هذا الزمن إلى 5 ساعات فقط !!!!وكانت فكرة الضابط إبراهيم محمد شكيب، بأن تقوم ضفادع بشرية بسد فتحات خزانات الوقود الموجودة على عمق 40 سنتيمتر من سطح القناة، بأسمنت لا يتحلل بالماء او بعض اللدائن الأخرى، فكرة عبقرية غير مكلفة ولها تأثير كبير وقد نفذت الفكرة وساهمت في تحقيق الانتصار. وليس هذا فقط فقد ابتكر المهندسون المصريون أنواعاً من الكباري صناعة مصرية، تقوم بحملها شاحنات ماركة نصر (صناعة مصرية)، وابتكروا ستائر عائمة لحماية الكباري من الألغام، وقاموا بإبتكار وصناعة مادة الفلين لكي تحتفظ الكباري بطفوها فوق سطح الماء، رغم ما يصيبها من قنابل طائرات العدو ومدفعياته، واستخدموا أنواعا من الصلب تحتمل الإجهاد العالي لم يسبق لأحدث الجيوش العالمية حتى اليوم استخدامها، وكذلك قاموا بصناعة وصلات للمزج بين انواع الكباري المختلفة. لقد ظهر التصنيع المصري العالي الجودة لمعدات العبور من القوارب ثم الكباري فالخراطيم اللازمة لاقامة الكباري، فمهمات المعاونة للقوات المترجلة، والمقطورات التي يدفعها الجنود، حتى أنهم صنعوا سترات خاصة يرتديها المقاتلون أثناء العبور، لقد بلغت نسبة الصناعة المحلية في هذه الملحمة العظيمة أكثر من 60 %، وكانت مفاجأة على المستوى العسكري العالمي. ومن الابتكارات العبقرية التي استخدمت وحيرت الكيان الصهيوني وابهرت العالم، الشفرة التي استخدمها قادة الجيش المصري في حرب أكتوبر لإبلاغ التعليمات والأوامر للضباط والجنود في مواقع العمليات، حيث استخدموا لغة جديدة وغير موجودة في أي قاموس من قواميس العالم، فقد تم استخدام اللغة النوبية كشفرة، لانها لغة يتحدث بها النوبيون لكنها لا تكتب. وكان صاحب الفكرة العبقرية البطل المجند أحمد ادريس. لقد احتوت فصول الحرب على مشاهد عظيمة من الأداء العسكري المبدع والمبتكر شكلت به إطارا جديدا للحرب التقليدية الحديثة ويرجع الفضل للعبقرية المصرية في إنها استوعبت خلال سنوات قليلة تكنولوجيا العصر ووظفتها فى خطة عسكرية خلاقة حققت النصر العظيم على العدو. والذي دفع جولدا مائير- رئيسة وزراء اسرائيل- لان ترسل الى الولايات المتحدة في يوم 9 اكتوبر 73 رسالة تقول فيها نصا" أنقذوا اسرائيل".وفي النهاية مازالت حرب اكتوبر الملحمة الوطنية التي سجلها الشعب المصري بعبقرية بعدما اعتنق مبدأ دعم البحث العلمي واستخدام الابتكار المصري وتجديد الفكر والأداء العسكري، شاهدا على قدرة شعوبنا الابتكارية اللا محدودة مهما حاول البعض زرع غير ذلك في عقولنا!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات