يقدم هذا المقال مثال لكيف تحول القيادة الابتكارية دولها من الفقر الي العالمية

في عام 2016 كانت المرة الأولى على مدار قرن، تسهم الاقتصاديات الناشئة مثل الهند ومن قبلها الصين، بأكبر من نصف إجمالي الناتج العالمي الخام، قياسا بمؤشر القدرة الشرائية، وهذا أدى الى تغيرات في الأمن الاقتصادي الدولي. الأمر الذي يدعونا إلى مراجعة لماذا وكيف نهضت تلك الاقتصاديات وكيف أثرت هذه الاقتصاديات على القوة النسبية لاقتصاديات أخرى استقرت لها مفاتيح الهيمنة والسيطرة على العالم مثل أميركا الشمالية وأروبا، تلك القوة التي تتعرض للتراجع أمام هذه الاقتصاديات الناشئة.فالهند كمثال قوي وواضح، تقدم بشكل قوي إشارات تدل على أنها قد تلعب في القريب العاجل نفس الدور الذي تلعبه الصين حاليا. بالرغم من أنه على مدار معظم القرن الماضي، اتسم الاقتصاد الهندي بمعدل نمو بطيء للغاية لم يتجاوز 0.8 % سنويا، وكان سبب هذا المعدل بشكل مباشر هو نمو السكان وعدم القدرة على استغلال طاقاتهم الإنتاجية بالشكل الأمثل، بالإضافة الى الاوضاع السيئة التي كانت تمر بها الهند.لكن ظهور اشخاص رياديين، يحملون راية الابتكار المجتمعي، ودعم اليد المفكرة والارتباط بالأرض والتراث ، ودفع الفرد لخلق فرص عمل نوعية ، والعمل لأجل رفع مستوى المجتمع والوطن -لا لأجل دعم شخص أو جماعه- من أمثال المهاتما غاندي، وجواهر لال نهرو، والرئيس الهندي الأسبق أبو بكر عبد الكلام، الذي نقل الهند الى مصاف المنافسة الدولية ، في قطاعات عديدة، مثل صناعة البرمجيات والالكترونيات ، والزراعة، والصناعات الثقيلة، وصناعات نوعية اخري. فقد طرح المهاتما غاندي نموذجًا تنمويًا بديلا للهند حين كان يحلم بمغزل في كل بيت هندى. قامت فكرة غاندي على أن الهند يجب أن تنمي قدراتها الصناعية بطريقة تضمن استغلال قوتها العمالية الضخمة، لا أن تتجه إلى نظام منقول من الخارج ممكن أن يؤدي إلى الاستغناء عن الأيدي العاملة المحلية. وقد زاوج غاندي هذه الفكرة مع رؤية خاصة بالقيم الروحية والتقليدية الهندية. وأدى اسلوبه الى دفع المجتمع الى تغير نوعي لمصلحة دعم الصناعة والاقتصاد عن طريق دعم الفرد والتأكيد على هويته.وبدوره أرسى جواهر لال نهرو ديموقراطية قائمة على الابتكار المجتمعي، وبغية التوافق مع النموذج التنموي السائد في عصره، ذهب نهرو إلى أن الدولة يجب أن تكون الفاعل الأساسي في الحياة الاقتصادية. فركز على العلوم التقنية والتطبيقية وعلى استغلال الثروات المحلية بالشكل الامثل ، حيث أسس العديد من المنشئات العلمية مثل جميع مؤسسات الهند للعلوم الطبية والمؤسسات الهندية للتكنولوجيا، مع دعم الفقراء والمحرومين عن طريق تدريب أكبر قدر منهم للعمل التقني والحرفي، وأصبحت سيرته وأعماله مراجع تسترشد بها في صياغة السياسات التي تؤثر في الهند حتى يومنا هذا. وهو يشار إليه أحيانا باسم "مهندس الهند الحديثة".أما الرئيس الهندي الأسبق أبو بكر عبد الكلام، مطور برنامج الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية في بلاده، والذي لقب ب “رجل الصواريخ". حيث أصر في الوقت الذي كانت تعاني فيه الهند الفقر والمرض ومعظم المشاكل المجتمعية ، أن يقدم على عمل التجارب النووية عام 1998، والذي كان السبب الرئيسي في تعزيز مركز الهند كإحدى الدول التي تمتلك أسلحة نووية. ويصفونه هناك الى يومنا هذا بأنه أيقونة الهند، والنموذج أو المثل الأعلى لشباب. وعبد الكلام هو المسئول الأول عن إطلاق الهند لأول قمر صناعي، وتطوير التكنولوجيا الهندية المستقلة. وبصفته رئيس مجلس الهند لتكنولوجيا المعلومات فقد أشرف على عدد من المشروعات والمهمات التي نقلت الهند تكنولوجيا إلى العالم المتقدم. لقد رسم ملامح مستقبل الهند في كتابه والذي بيع منه عند طرحه أكثر من مائة ألف نسخة: رؤية للهند في الألفية الجديدةIndia 2020:A Vision For The New Millennium الذي صدر سنة 1998م وبيّن فيه ما يجب على الهند فعله في مختلف القطاعات لتكون عضواً فاعلا في العالم في الإلف الثالث. وألف كتاب آخر بعنوان: روح الهند Spirit Of India الذي يعرض فيه حكمته وأفكار وطموحات الشباب الهندي وأحلامهم، ويضم هذا الكتاب أجوبته عن أسئلة الأطفال والطلبة والشباب والصحفيين في لقاءاته اليومية معهم. ولقد كان رده لاحد الاسئلة التي وجهة له ، مفتاح نجاح، ليس للهند فقط لكن لكل من يفهم أجابته، فقد سأل : لماذا لا يعيش الناس بسلام؟ وكان رده: "لأن العقول المتخلفة تخلق الاختلافات. أما العقول الناجحة فتخلق الرؤى فتزول الاختلافات".


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات غدقا - د. غادة عامر

تدوينات ذات صلة