إن العديد من الحكومات والمؤسسات التجارية والصناعية العالمية، ومن قبلها كانت أجهزة الاستخبارات تنفق الكثير من المال لتحليل اتجاهات مجتمعها أو مجتمعات أخرى.

وهذا عادة ما كان يتم -سابقا- عن طريق تعيين موظفين متخصصين مع إعطائهم بعد الأدوات التكنولوجية، أما الان ومع التقدم التكنولوجي أصبح الامر أكثر دقة وحرفية عن طريق تخليق برامج التحليل أو ابتكار طرق لعملية متابعة وتحليل المجتمع المستهدف. فمثلا هناك كثير من الشركات الاجنبية التي تدرس جيدا اتجاهات أسواقنا المحلية بشكل دقيق، وذلك بهدف الحصول على السبق في توفير منتج معين حسب الاتجاه المجتمعي واحتياجاته الحالية والمستقبلية. وعن طريق نتائج عملية التحليل التي تقوم بها تلك الشركات يتم تطوير وخلق منتجات ممكن أن تكون مفيدة وممكن أن تكون ضارة على المجتمع المستهدف. هذا الأسلوب بالتأكيد يساعد منتجات تلك الشركات في غزو الأسواق وبالتالي زيادة الأرباح بسهولة وسرعة، لأنها مبنية على دارسة صحيحة لاحتياجات المجتمع التي تمت دراسته. ولكن من جانب آخر ممكن أن تتسبب هذه المنتجات في الاضرار وأحيانا في دمار الصناعات المحلية للمجتمع المستهدف.

مثلا نجد شركة "جوجل" تنفق ما يزيد عن 55 مليون دولار سنويا، في قضايا فهم التوجهات المجتمعية، وتحليل استجابة السوق لمنتجاتها. وذلك ليس فقط لتطوير منتجاتها، بل وتلبية احتياجات مستقبلية عن طريق توقع احتياجات المجتمعات التي يتم دراستها وخلق منتجات لم تكن موجودة أصلا، وهذا -بالتأكيد- يؤدي إلى زيادة ارباحها بشكل كبير. كذلك تنفق شركة أبل 14 مليون دولار سنويا لمراقبة سلوك العملاء، لتطوير ودراسة سوق منتجاتها، وهناك الكثير والكثير من الشركات التي تقوم بنفس العمل. ماهيك عما تقوم به الحكومات أو الجهات الفاعلة من غير الدول التي تقوم بدراسة وتحليل المجتمع المستهدف بكل الوسائل المتقدمة، حتى تستطيع أن تخترقه بناء على الثغرات التي تكتشفها داخله.

إن الاصل أن تستخدم المجتمعات عملية تحليل اتجاهات المجتمع، لدعم المجتمع إيجابيا ولمعالجة أي ظواهر سلبية أو خطيرة #غادة_عامر


إن الاصل أن تستخدم المجتمعات عملية تحليل اتجاهات المجتمع، لدعم المجتمع إيجابيا ولمعالجة أي ظواهر سلبية أو خطيرة، فمثلا نجد في بعض الاحيان أن أغنية (للاسف) أقل ما يقال عنها إنها تافه، ولا يوجد بها أي كلام هادف أو قيمة مضافة او حتى جملة مفهومة، بل تجدها كلها إسفاف وكلام غير محترم، تحقق أعلى إرادات، بل حتى أعلى من اي أغنية هدافة ولها قيمة مضافة، وتجد ان شريحة كبيرة من المجتمع تسمعها وتتحدث عنها بإعجاب!!!


 الابتكار وصناعة التوجهات المجتمعية84587420177975550


في هذه الحالة ليس الحل أن نقول إنها ظاهرة، وأن شريحة كبيرة من المجتمع لم يصبح لديهم ذوق، أو أنهم أصبحوا متخلفين، وأن المجتمع أصبح يحب هذه النوعية من الأغاني، وأن نظل ننتقد المجتمع ونسفه منه، لكن لابد من تحليل والبحث عن سبب حدوث هذه الظاهرة، لماذا وجدت؟ ومن الذي استجاب لها؟ وما هو الشيء الذي جعل هذه النوعية من الأغاني (الهابطة) تنتشر؟ بل وتستمر وتحقق إيرادات!

لابد من أن نجد طريقة لتحليل هذه الحالة، وذلك للإسفادة منها لتوجيه المجتمع إلى القيم المجتمعية الصحيحة والذوق الرفيع، بل وإلى الاخلاقيات السليمة السوية. لابد ألا نقف موقفا سلبيا، وإنما لابد أن ندرس حال المجتمع الحقيقي تجاه مثل هذه النوعية من الأغاني ونبتكر ونختلق رد فعل ايجابي لمعالجة، بل وللاستفادة من مثل هذه الظواهر. إن المجتمع الذي يتبني الابتكار المجتمعي لا يعمل على نقد أي اتجاه، بل يبرع في فهم التوجه ومعرفة أسبابه وتفكيكه، وإعادة تركيبه في أمور تفيد المجتمع بطرق معينة ومباشرة باستخدام كل الوسائل المتاحة.

إن المجتمع الذي يتبني الابتكار المجتمعي لا يعمل على نقد أي اتجاه، بل يبرع في فهم التوجه ومعرفة أسبابه وتفكيكه، وإعادة تركيبه في أمور تفيد المجتمع بطرق معينة ومباشرة باستخدام كل الوسائل المتاحة. #غادة_عامر



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات غدقا - د. غادة عامر

تدوينات ذات صلة