يوجد ظاهرة تسمى The Mandela Effect أو ظاهرة تأثير مانديلا. والموضوع باختصار وبساطة أنه يوجد عدد من الناس يتذكرون أحداث معينة لم تحدث أبداً! ما القصة؟
تبدو ظاهرة تأثير مانديلا غريبة فعلاً، لماذا تسمى بهذا الإسم؟ يوجد عدة تفسيرات للظاهرة منها انتقالنا للحياة في عالم موازي.
أثناء حضور الكاتبة Fiona Broome مؤتمر Dragon Con عام 2009، كانت تتحدث عن وفاة نيلسون مانديلا في السجن في ثمانينيات القرن الماضي. لكن لحظة! زعيم جنوب أفريقة السابق والمناضل العظيم نيلسون مانديلا توفي عام 2013 عن عمر يناهز ال95 عام. الغريب أن Broome وغيرها من الأشخاص يتذكرون تفاصيل وفاة مانديلا، كالأخبار التي أذيعت وقتها، وخطاب زوجته بعد اعلان وفاته، وحديث الشارع عن الموضوع. السؤال ليس متى توفي نيلسون مانديلا، فهو توفي عام 2013، السؤال هو كيف لأشخاص مختلفين أن يتذكرو أحداث لم يتحدث وبنفس التفاصيل تقريباً. لو أنهم يتذكرون خبر الوفاة فقط لكان التفسير أبسط، مثلاً بتذكرون إشاعة أو أخبار كاذبة عن وفاته انتشرت وقتها. لكنهم يتذكرون تفاصيل وفاته والإعلان عنها كأنها حدثت فعلاً. أنشأت Broome موقع على الإنترنت عام 2009 أسمته The Mandela Effect.
يوجد أمثلة أخرى على ظاهرة تأثير مانديلا، فالنلقي نظرة وأخبرنا ماذا تتذكر:
مثلاً يتذكر الكثير من الناس أن شعار كرتون الأطفال الشهير كان كما على يسار الصورة Looney Toons، لكن الحقيقة أن شركة Warner Brother لم تغير شعار البرنامج أبداً والشعار الحقيقي هو الذي على اليمين Looney tunes. أنا أذكر الشعار Looney Toons، وأشعر بالحيرة. كيف لا أذكر الشعار الصحيح وكان هذا إحدى برامجي المفضلة، وكنت أنتظره بفارغ الصبر كل يوم على قناة Spacetoon.
يذكر الكثير أيضاً وجود hyphen أو واصلة بين كلمة Kit وكلمة Kat. في الحقيقة، شعار الحلوى كان ومازال دون الوالصة كما في الصورة على اليمين.
عندما تابعنا بوكيمون، كنا نرى بيكاتشو في كل حلقة. لذلك من المنطقي أن نعتقد أننا نذكره جيداً. هل كان طرف ذيل بيكاتشو ملون بالأسود؟ الجواب الصحيح هو لا. الصورة الحقيقة لبيكاتشو هي التي على اليمين.
يوجد الكثير من الأمثلة المشابهة لشعارات وشخصيات كرتونية.
يوجد عدة نظريات لتفسير الظاهرة، منها العلمي والمنطقي ومنها غريب ويصعب تصديقه خصوصاً أننا نعتمد على ذاكرة أشخاص وليس على حقائق ودلائل متينة. فالنلقي نظرة على بعض النظريات لمحاولة فهم ظاهرة تأثير مانديلا:
- ذكريات كاذبة False memories
الذكريات المتشابهة يمكن أن تختلط. على سبيل المثال، الطلاب الأمريكيون يدرسون في المدارس أن Alexander Hamilton هو مؤسس الولاايات المتحدة الأميريكية لكنه ليس أحد رؤساء أمريكة. الناس يخلطون ما بين الرئيس والمؤسس. من زاوية علم الأعصاب، الذكرة المتعلقة بAlexander Hamilton تختزن مع المعلومات المتعلقة بالرؤساء. عندما يتم استرجاع الذكريات، بدلاً من تذكرها بشكل صحيح وكامل، فإنها تتأثر لدرجة أنها يمكن أن تختلط وتصبح غير صيحة. بهذه الطريقة، الذاكرة لا يمكن الاعتماد عليها وليست معصومة من الخطأ.
- Confabulation
الدماغ لا يحب الفراغات. لذلك يملئ عقلك الفجوات أو الفراغات المفقودة في ذكرياتك لفهمها أكثر. هذا ليس كذبًا، بل تَذًكر تفاصيل لم تحدث أبدًا. على سبيل المثال، تتذكر غرفة في بيت جدتك التي كنت تزورها في طفولتك، لقد نسيت شكل المصباح الموجود بجانب السرير، عقلك يعرف أنه يوجد مصباح لكن لا يذكره بالتحديد، فيضع مكانه مصباح آخر رأيته في أي مكان مثل منزل أحد آخر أو حتى مسلسل تيليفزيوني. مثال آخر، الظن أن يوجد واصلة بين كلمتي Kit Kat، ببساطة لأن الدماغ ظن أنها تحتاجها.
- Post-event information معلومات حصلت عليها بعد الحدث
يمكن للمعلومات التي حصلت عليها بعد الحدث أن تغير تفاصيل الذكريات، لهذا السبب يمكن لشهادة "شاهد العيان" ألا تكون موثوقة، لأن الذكريات يمكن التلاعب بها. وهذا لا يعد كذباً أو شهادة زور لأن هذا ما يذكره الشاهد فعلاً.
- The internet's impact
لا تستهن أبداً بدور الإنترنت بالتأثير على الذكريات. ربما ظهور ظاهرة تأثير مانديلا في العصر الرقمي ليس مصادفة. يعد الإنترنت وسيلة قوية لنشر المعلومات الخاطئة والمفاهيم المضللة والأكاذيب. يبدأ الناس بعد ذلك في إنشاء مجتمعات قائمة على هذه الأكاذيب ويبدأ ما كان في المخيلة يومًا ما يبدو واقعيًا، تماماً مثل ظاهرة مانديلا. نظرًا لأن كل شخص لديه تجربته الخاصة أو ذاكرته لحدث ما، يمكن أن تؤثر تلك الذكريات الخاطئة على ذكريات الأشخاص الآخرين، وبالتالي التلاعب في ذكرياتهم لتذكر الأحداث بنفس الطريقة.
هذا التفسير مدعوم بدليل أن تذكر شيء ما بشكل متكرر يبني ثقتك في ذاكرتك حتى لو أصبحت أقل دقة مع مرور الوقت. كلما قَدم المزيد والمزيد من الناس تفاصيل غير صحيحة، أصبحت مدمجة في ذكريات الآخرين كحقائق وعززت قناعتهم بأنهم على صواب.
- عوالم موازية
نشأت إحدى النظريات حول أساس ظاهرة تأثير مانديلا من فيزياء الكم Quantum Physics. الفكرة قائمة على أنه بدلاً من وجود جدول زمني واحد للأحداث، من الممكن أن يوجد أكوان بديلة وتختلط مع جدولنا الزمني. من الناحية النظرية ، قد ينتج عن ذلك وجود مجموعات من الأشخاص لديهم نفس الذكريات لأن الجدول الزمني قد تم تغييره أثناء انتقالنا بين هذه العوالم المختلفة.
عام 2019 انتشرت تغريدة Tweet على موقع تويتر يتحدث فيها شخص يدعى Nick Hinton عن أن العالم انتهى عام 2012. قال في التغريدة أن عام 2012 اكتشف علماء في المختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات
CERN جسيم جديد سمي الHiggs Boson. عالم الفيزياء الغني عن التعريف Stephen Hawkings ستيفين هوكنجز تنبأ أن الجسيم قد يدمر العالم وانقل كلمات Hawkings:
cause the universe to undergo a catastrophic vacuum decay
يتسائل Hinton في تغريدته أيضاً، هل يمكن أن العماء في CERN خلقو ثقب أسود عن طريق الخطأ وابتلعتنا ونعيش فيها منذ عم 2012. يزعم Hinton أن بعض علماء الفيزياء يؤمنون بحدوث هذه الفرضية. ويقول أن هناك نقاش أو حوار عام أن العالم تغير بطريقة غريبة منذ 2012 وأقتبس كلماته "nothing has felt right since 2012". يَفترض أن السبب يمكن أن يكون ببساطة هو التقدم في العمر، لكن أحداث العالم تميل للفوضى بشكل أكبر وحتى أن الوقت يمر بشكل أسرع. أعتقد أن الجميع يشعر أن في البضع سنوات الأخيرات حدثت أحداث غيرت الكثير في العالم، وكانت أحداث فوضوية وسريعة مثل حرائق الغابات، الحراك السياسي، والحروب، وجائحة كورونا عام 2020.
يقول Hinton في تغريدته أن وعينا انتقل إلى عالم موازي لعالمنا دون أن نشعر بعد ما دمر مختبر CERN العالم. لكن العالم الموازي ليس نسخة طبق الأصل، فهو يختلف بعض الشيئ وإحدا هذه الإختلاف هي ظاهرة تأثير منديلا. تفاصيل صغيرة في حياتنا يذكرها البعض من عالمنا الأصلي وتختلف في العالم الموازي الذي يفترض أننا نعيش فيه. من الإختلافات هو مكان تمثال الحرية. حالياً يقف تمثال الحرية الواقع في مدينة New York على جزيرة الحرية Liberty Island، لكن يزعم الكثيرين أن التمثال كان على جزيرة أخرى تدعى إليس Ellis Islands. عرض Hinton رسمة لتمثال الحرية ويقول أن الرسام رسم التمثال على جزيرة إليس، لماذا يرسم التمثال على هذه الجزيرة إن كان على جزيرة أخرى؟
كون الجزيرتين قريبتين من بعضهما، من المحتمل أن الرسام رسمها على جزيرة مختلفة لسبب ما. أم نحن في عالم موازي فعلاً وهذا سبب تغيير موقع التمثال؟
والأغرب أن الشعلة التي يحملها التمثال مقفلة وممنوع زيارتها منذ 100 عام، لكن يزعم بعض الأشخاص أنهم زاروها ويوجد صورة يقال أنها من داخل الشعلة. هل هذه الصور حقيقية فعلاً؟ وهل دخل الناس إلى الشعلة؟ أم أنهم يذكرون زيارة مكتن مشابه وتم التلاعب بذاكرتهم؟
يوجد أمثلة كثيرة على ظاهرة مانديلا، لكن كما ذَكرت، الظاهرة قائمة على ذاكرة الأشخاص أكثر من أي دليل ملموس آخر. أنا من مؤيدين نظريات الذاكرة الكاذبة وConfabulation وتأثير استخدام الإنترنت على ذاكرتنا. نظرية العالم الموازي تبدو كقصة لطيفة ومسلية لتفسير ظواهر مماثلة لكن اثباتها صعب جدا إن لم يكن مستحيل. أي نظرية أقنعتك أكثر؟
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
السبب من وجهة نظري:
1- إشاعة انتشرت في زمن معين لم يتسنَّ لبعض الناس التثبت من كذبها، فصارت بالنسبة لهم معرفة حقيقية وثابتة مدة من الزمن، وترسخت في أذهانهم.
2- خداع بصري أو سمعي، شكل معلومة مغلوطة لدى المخدوع فصارت كأنها حقيقة راسخة لديه إلى أن ينتبه.
١- مثال على الخداع البصري- ذيل "بيكاتشو" الأسود.
هو ليس أسودًا في الحقيقة، لكن ما حدث لبعض الناس هو ربط أطراف أذنيه الملونة بالأسود بطرف ذيله، فأصبح هناك طرفين أسودين مقابل طرف واحد (الذيل) أصفر، وهنا غلّب العقل فرضية أن يكون الذيل هو أيضا أسودًا مثل الأذنين.
٢- الخداع السمعي- أغنية "سعد نبيهة".
ظل اعتقاد لدى العديد من الأطفال المصريين -يكاد يكون حتى الآن- أن هناك مقطع في أغنية "أهلاً بالعيد" الشهيرة يقول "سعد نبيهة.." وهذا ليس صحيحًا، إنما هو "سعدنا بيها"، لكن سرعة اللحن أدت إلى هذا الخداع.
مشكورة فرح على هذا المقال والجهد المبذول فيه، لكن لي نظرية أو رأي آخر حول هذا الموضوع أو ما يسمى بتأثير مانديلا؛ ليس ثمة علاقة بين هذا الأمر وبين ما يسمى العالم الموازي أو الثقوب السوداء او خلاف ذلك، الأمر يتلخص في نقطتين:
١- إشاعات انتشرت بحدوث أمر ما في زمن سابق ولم يتسنّ للكثير من الناس التحقق من كونها إشاعة، فثبت لديهم صدق حدوث هذا الأمر الذي لم يحدث في الحقيقة.
٢- خدع بصرية أو سمعية حدثت لبعض الناس بغير وعي، فتكونت لديهم حقيقة مزعومة لأمرٍ ما لكنها مبنية على زيف وخداع، وأذكر مثالين صغيرين: